“التماهي” عائقٌ خفيٌّ أمام الفكر النسويّ!.
إنّ قدرة المرأة على رفع نرجسية الرجل ببضع كلمات منها، وتوقّعها أفضل ما لديه؛ يثير عنده قلق العجز والشعور بالدونية؛ ومردّ هذا القلق عند الرجل إلى وقوعه تحت نظرها وتقييمها
إنّ قدرة المرأة على رفع نرجسية الرجل ببضع كلمات منها، وتوقّعها أفضل ما لديه؛ يثير عنده قلق العجز والشعور بالدونية؛ ومردّ هذا القلق عند الرجل إلى وقوعه تحت نظرها وتقييمها من جهة -فهي تحمل خصائص أمومية كالصبر والترقبّ والشفقة وشدة الملاحظة- وانهياره إذا ما حصل له خصاء معنوي من جهة ثانية. في كتابه (المرأة: بحث في سيكولوجية الأعماق) يُقرّ بيير داكو بالخوف الكامن في أعماق الرجل من المرأة ذات الفكر الثاقب، القادرة على التقييم والتمييز؛ تلك المرأة التي تتمكن من تقدير الرجل أمامها بقيمته الحقيقية اعتماداً على ماهيّته لا على ما يبديه من اهتياج وغضب وشهوانية.
بعض النساء يتعمَّدن خصاء الرجل معنوياً ونفسياً؛ وقد أوضح داكو أسباب تعمدهن ذلك بكونهن يتجاوزن بهذه الطريقة الشعور بالدونية والتبعية ويعلنّ جهراً أنهن “القادرات”، ومن أساليبهن في ذلك قيامهن بتوجيه ملاحظات لاذعة وكلمات ساخرة متهكمة، أو من خلال عطفهن المتطرف الذي يمارسن فيه شيئاً من الأمومة في غير موضعها، يقول داكو: “إن النساء يحاولن خصاء الرجل معنوياً”.
الأساليب الناعمة عند النساء لتسلّم زمام الأمور:
بينما يتفرّد الرجل بالقوة الجسدية والسطوة الاجتماعية والاقتصادية، تظهر سطوة الأنثى تهكماً وسخريةً وتحقيراً؛ تلك السطوة المرتبطة بجعل الرجل عاجزاً “مخصياً” لا من الناحية الجنسية والجسدية، بل وظيفياً ونفسياً. يقول إيريك فروم: “إذا كان السلاح الأساسي للرجل ضد المرأة هو قوته الجسدية والاجتماعية عليها، فسلاحها الأساسي هو السخرية منه”، وينكر فروم بذلك ما قاله فرويد حول رغبة المرأة في خصاء الرجل جنسياً بدافع غيرتها من امتلاكه عضواً ذكرياً وشعورها بالدونية؛ فهي تمتلك وسائل أشد وطأة. ويذكر أن تلك الرغبة في الخصاء الجنسي محصورة في الحالات المَرَضية التي تتجلى فيها السادية عند بعض النساء.
إقصاءٌ للآخر أو تماهٍ في سلوكياته الخَشِنة؟
على ما سبق؛ نجد أن بعض أساليب التحقير والكراهية التي تتبعها النساء مع الرجال، تعكس رغبتهن في إثبات الوجود عبر إقصاء الآخر؛ وليس مردّ هذه الأساليب إلى الشعور بالدونية فقط، بل هي في جوهرها شكل من أشكال التماهي مع الآخر أو التماهي مع سلوكياته.
عند نقاش قضية نسوية ما، نجد انفعالاً واضحاً لدى بعض النساء في تعاطيهن مع الآخر وليس مستبعداً أن يتحوّل الحوار إلى “مهاوشة” قد تنتهي بإساءات وازدراء.
إن شعور النساء بالظلم على مرّ التاريخ وتعرّضهن للتعنيف والإقصاء حتى ترسّخت مظاهر تهميش المرأة وأصبحت عادات موروثة ومُتفق عليها؛ دفع المرأة إلى التعبير عن حزنها والمطالبة بحقوقها بطريقة انفعالية واضحة لا تخلو من الهشاشة الفكرية والأحكام التعسفية وتشتت الطموح وغياب الحوار العقلاني في كثير من الحالات. ونقاش هذا الأمر ينقلنا إلى السمات النفسية والفكريّة والسلوكية لشخصية “الضحية”؛ السمات النابعة في أغلب الحالات من الألم والرغبة في الثأر والانتقام، والحاجة إلى تفريغ المشاعر السلبية بأيّة طريقة مهما كلّف الأمر، أو على العكس، فقد تكون سمتها الاستكانة والخنوع وربما التعاطف مع الجلاد (متلازمة ستوكهولم). وفي الحالتين نحن أمام مشكلة حقيقية تعيق تشكيل الفكر النسوي انطلاقاً من أسس عقلانية وحقوقية وإنسانية؛ هذه المشكلة التي يمكن أن نعبر عنها بمصطلح نفسي-فرويدي: التماهي، سواء أكان تماهياً مع الرجولة في صفاتها ومظاهرها أم تماهياً مع الرجل في تكوينه الفكري والنفسي والسلوكي.