عن سلطة الرجل وجسد المرأة!.
في محادثة فيسبوكية عابرة لا تخلو من محاولات التودد، يخبرني أحدهم -دون ذكر جنسيته- بأنه حينما جاء إلى سورية قابل فتاةً عشرينية تعرّضت لحادثة اغتصاب؛ وكيف أنه أعطاها مبلغاً ضئيلاً من المال في مقابل أنها رافقته إلى بعض المناطق. يكمل حديثه بشيء من الارتياح والفوقية بأنّ في بلده فتيات سوريات كثيرات، وبشيء من الشفقة المصطنعة والإساءة الضمنية، يتحدث عن اضطرارهن إلى العمل في مهن متدنية أو رخيصة الأجر…..
في محادثة فيسبوكية عابرة لا تخلو من محاولات التودد، يخبرني أحدهم -دون ذكر جنسيته- بأنه حينما جاء إلى سورية قابل فتاةً عشرينية تعرّضت لحادثة اغتصاب؛ وكيف أنه أعطاها مبلغاً ضئيلاً من المال في مقابل أنها رافقته إلى بعض المناطق. يكمل حديثه بشيء من الارتياح والفوقية بأنّ في بلده فتيات سوريات كثيرات، وبشيء من الشفقة المصطنعة والإساءة الضمنية، يتحدث عن اضطرارهن إلى العمل في مهن متدنية أو رخيصة الأجر لتأمين لقمة العيش، ويعرج على بعض القصص التي اضطررن فيها إلى بيع الجسد مقابل الإبقاء على رمق الحياة الأخير. أسمعه حتى نهاية كلامه في وصفه للفتاة التي قابلها في سورية، وفي كلامه الذي لا يخلو من إيحاءات جنسية عن فتيات سوريات صادفهن في بلده، ثم أخبرني بصراحة بأنه ينوي زيارة سورية مرة أخرى بقصد السياحة “الجنسية”، وقد أثارت دهشتي معرفته بمنطقة جرمانا ليخبرني أنّ بعض أصدقائه كانوا يأتون إليها لمقصد دنيء في سنوات سابقة. كان كلامه يحمل شيئاً من انتقاص النسوة عموماً واللواتي اضطررن إلى اللجوء تحديداً، ولن ننخرط في غايات دنيئة أخرى من كلامه ذاك، وضعتُ لها حداً بــ “حظر” تسبقه عبارة واحدة:” قديشك مبتذل؟” . يحيلني على هذه الحادثة العابرة ما يتم تداوله حول اللاجئات الأوكرانيات؛ يبدو أن سوق النخاسة لم ينته زمنه، وربما فكرة “السبي” ليست حكراً على جماعة دينية معينة وليست محصورة في حقبة تاريخية محددة. الأمر يرتبط بالنظرة السائدة والراسخة عن النساء وكونهن ملكية ووسيلة وأداة.
في حديثها عن علاقتها السابقة، تخبرني صديقتي بشيءٍ من الحرقة التي تحاول إخفاءها بسخرية مفرطة وغير ملائمة، تقول: “عزمني كم مرة ع المطعم ودفع الحساب… فكر حالو من حقو ينام معي!”. أصمت عادةً في مواقف صعبة كهذه لا أجيد التعامل معها؛ فلا أعرف هل أواسيها أم أشتمه أم أحرضها -كما تفعل نسويات العصر الحديث- على كراهية جنس آدم بأكمله؟ إنها وسائل تعسفية غير مجدية وليست في نظري إلا نتاج انفعال عابر.
في موقف ما، في دائرة حكومية تابعة لريف دمشق، تروي امرأة عشرينية مطلقة ما حدث معها بعد دخولها إلى مكتب الضابط طلباً لتوقيع ورقة واستكمال معاملتها في الدائرة، تقول: “كان يؤجلني عدة مرات وفي كل مرة يطلب مني الجلوس ثم يخبرني بالعودة في اليوم التالي أو الذي يليه. استمر ذلك لمدة أسبوعين، وفي منتصف الأسبوع الثاني وبعد أن ضقت ذرعاً بهذه الحال وأدركت أنه يتقصد ذلك، واجهته بانفعال أمام أحد عناصره، فطلب منه الخروج وأعطاني رقمه لكي أتواصل معه، اتصلت في اليوم التالي ليخبرني بأنه معجب بشكل جسدي وابيضاضه، وبعد إنهاء المكالمة قام بإرسال صور إباحية عبر “الواتساب”، مع بعض الكلمات البذيئة. هددته بفضحه أمام الجميع في مكان عمله وأمام مرؤسيه وبأنني سأرسل في اليوم التالي شخصاً ليوقع الأوراق وينهي المعاملة بدلاً مني”. تظهر في هذه الحادثة وغيرها فكرة المقايضة النابعة من السلطة: جسد مقابل خدمة ما أو منح حق مشروع.
قصص عديدة تبوح بها النسوة أمام بعضهن، قصص تسمعها في الشارع، في المدينة الجامعية في دمشق، على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي كل مكان؛ تلك القصص التي لا تحمل فقط معنى “المَحْن” الذكوري واهتياج الرجال أمام الفتيات القاصرات والنساء وشهوانيتهم، بل تحمل أبعاداً وتأويلات أُخرى عن سلطة الرجل على جسد المرأة التي تتجلى في مقايضته على ذلك الجسد، في شعوره بملكيته له بمجرد أن يدفع مهر زواجه منها، أو ربما حساب الغداء في المطعم، أو مقابل بعض الهدايا التي يحضرها لها. يشعر بأن واجبها المقدس تجاهه أن تشبع شهوته دون اعتراض أو تردد، فقد دفع المبلغ الفلاني لقاء ذلك!.
لا تقتصر سلطة الرجال على النساء في إرغامهن على ممارسة الجنس فقط، بل في كل شتيمة يتداولها الرجال بين بعضهم وتكون موجهة لأم أو أخت رجل آخر؛ إنه التحقير والانتقام الذكوري من خلال النساء وباستخدامهن.
في المناطق التي حكمتها داعش في الشمال السوري وفي العراق، كانت النساء وسيلة الضغط على الطرف الآخر، وسيلة الترفيه والمتعة، وسيلة الانتقام والإهانة، وسيلة تخريب المجتمع الأصلي إنطلاقاً من عماده الأول “الأنثى”. حتى الشتائم التي استعملتها الجماعات الإسلامية عند اقتحامها لمناطق الساحل السوري في بداية الحرب السورية، كانت تتمحور حول الأنثى بقصد إهانة الطوائف والمذاهب الأخرى: “نسوانكن ع الكيف، ورجالكن ع السيف”.
وما تعرضت له النساء الإيزيديات كفيل بأن يوثق استغلال النساء والسلطة على أجسادهن واستخدامهن في حروب الرجال. مظاهر كثيرة للتسلط الذكوري على المرأة من خلال استعبادها وفرض شروطه عليها وإهانتها تجلت عبر التاريخ في مظاهر السبي والاغتصاب والتحرش والختان والخطف والتحقير والمنع والتحريم.
في كتابها (توأم السلطة والجنس)، بيّنت نوال السعداوي تاريخية هذا التسلط الذكوري الناتج من الصراع على الملكية والحكم حتى قبل ظهور الأديان، واستمراره بصور أوضح وأدوات جديدة مع ظهوره الأديان، تقول سعداوي: “إن النظام الحاكم على مدى القرون القديمة أراد أن يتصارع الجنسان باعتبار أن المرأة هي الجسد الأدنى وأن نقيضها الذكري هو الأعلى (…) إن علاقة السلطة بالجنس هي علاقة قديمة منذ انقسام البشر إلى حكام ومحكومين، ونساء ورجال. منذ ظهور ما سمي بالنظام العبودي أو النظام الطبقي الأبوي؛ فأصبح الأب هو صاحب السلطة والنسب والشرف والأملاك؛ وكانت أملاك الأب تشمل النساء والأطفال والأرض والماشية”. يظهر من هذا أن السلطة على جسد المرأة ليست وليدة مرحلة تاريخية معينة وحربٍ ما، بل تمدّ جذورها إلى اللحظة التي نشأت فيها فكرة الملكية.
يُقال إن حل المشكلة يكمن في وعيها وتفكيكها، ويبقى السؤال هنا: هل وعينا مشكلات النساء سيحلُّها وإن لم يكن في الوقت القريب؟ أو أنها تحوّلت إلى معضلات ومرض مزمن؟.
لدي امل ان يتغير يوما ما شكل التربية القائمة على ابراز حضور الذكر منذ ولادته امام حضور المرأة والتي تساهم فيها جزء كبير من النساء على اعتبار ان هذا الطفل الذكر هو حبل النحاة وسط مجتمع ذكوري، لكن النتيجة تنعكس سلبا على كل من سيتعامل معه ذلك الذكر من نساء فيما بعد..