فرويد و النظريّة البنيويّة النفسيّة
وفقاً لفرويد فإنّ جميع الأفكار والسلوكيّات الإنسانية ليست نتاج لجزء وحيد عقلاني , بل هي خاضعة لصراع دائم بين ثلاثة أجزاء متضادة أو متنافرة مكوّنة للنفس:
سيجموند فرويد , طبيب وعالم نفس نمساوي , و مؤسس نظرية التحليل النفسيّ، و هو من أكثر الشخصيات العلمية تأثيراً في الوسط العلمي والمجتمعي عموماً، حيث استطاع بأفكاره قلب مجرى التحليل النفسي السائد في وقته وفي الوقت الحالي، فقد رفض بشكل قاطع محاولة تفسير التغييرات أو الاضطرابات العقلية بأسباب فيسيولوجية بالاعتماد على الوسائل المادية، وكما هو معروف، وبعيداً عن الدخول في مقاييس الصح والخطأ، فإنّ كل ما هو جريء أو غير اعتيادي يلاقي الرفض و النقد دائماً، لكن رغم آرائه التي وصفها الكثيرون بــ ” المتطرفة ” استطاع سيجموند فرويد بثقافته الواسعة و فطنته وتكريسه نفسه للعلم والبحث العلمي بين ميادين الطب العصبي و تشريح الدماغ و التحليل النفسي والسلوكي، أن يغوص في أعماق النفس الإنسانيّة محدثاً بذلك نقلةً نوعيّة، ليس على صعيد التحليل النفسي وحسب بل على صعيد الوسط العلمي ككل , وفي ذلك يقول الدكتور (نظمي لوقا ) :
” ومهما اختلفت الآراء في سيجموند فرويد فهو من أكثر الناس تأثيراً في التيّار العلميّ , ولا محيص من الاعتراف بأنّ العلم بعد فرويد غير العلم قبل فرويد , ولا سيّما فيما يتصل بجميع وجوه الحياة الجنسيّة ” .
ماهي “النظريّة البنيويّة النفسيّة ” لدى فرويد :
وفقاً لفرويد فإنّ جميع الأفكار والسلوكيّات الإنسانية ليست نتاج لجزء وحيد عقلاني , بل هي خاضعة لصراع دائم بين ثلاثة أجزاء متضادة أو متنافرة مكوّنة للنفس:
1- الأنا الأعلى : وهو القواعد العليا في المجتمع والتي يحكمها مقياس الصواب والخطأ أو “الضمير ” كما يُدعى , وهو الذي تغذيه أساليب التربية و القيم الأخلاقية و المفاهيم المجتمعيّة عن المرغوب و المرهوب .
2- الأنا : يقع في صراع بين تحقيق رغبات الهو , أو تنفيذ أوامر الأنا الأعلى وهو ما يظهر في سلوكك العام أو أفكارك الواعية , وإنّ ظهور الأنا في النفس يمثّل أًصل الوعي .
3- الهو : هو الجزء الحيواني الفطري الذي يكبته حزم الأنا الأعلى , ويكون موجوداً عند الولادة , ويبقى دائماً في حالة عدم إشباع أي أنّه يعمل على مبدأ تحقيق اللذة .
وهنا تبدأ العمليات بين الوعي واللاوعي لتشكّل السلوك أو التفكير الحاضر للإنسان , بحيث يكون الأنا الأعلى في صراع مع الهو بشكل دائم والقرار الأخير يتمثّل في الأنا الذي يمثل الوعي الإنساني , وإنّ الأنا الأعلى في سعيه لكبت الغرائز والأفعال الجنسيّة أو العنيفة أو السيّئة عموماً يمنع الهو حتى من التفكير بها من خلال السيطرة على الأنا وهذا بالضبط ما يمنع وصولها إلى الوعي .
ومن خلال ما سبق يمكننا تفسير الأحلام ودلالاتها الرمزيّة , وتفسير زلّات اللسان وأحلام اليقظة و حتى الأعراض المرضية الناتجة عن الكبت أو الآليات الدفاعية النفسية الأخرى , و قد فسّر (فولكت) ذلك , موضّحاً أن الخيالات الجنسية في الأحلام تكون بلا أّيّ رادع أو منطق أو تهذيب , بل إنها تتخطى جميع الحدود المكوّنة لدى الحالم في يقظته , بحيث تظهر أشنع الصور اللا أخلاقية في الأحلام , وقد اختلفت الآراء كثيراً في تفسير الأحلام ودلالاتها , و القصد هنا , الاختلاف بين مدارس التحليل النفسي والعلماء الذين اتبعوا منهجاً علمياً قائماً على التجربة والملاحظة والرصد والتمحيص , وليس أًصحاب الدجل المتوارث والشائع والتفسيرات الغوغائية أو العاطفيّة .
أمّا فرويد فقد فسّر (الهستيريا و الذعر وفقدان الذاكرة ) على أنّها جزء من الآليات الدفاعيّة تحول دون انتقال اللاواعي إلى منطقة الوعي , و اعتبرها في مواضع كثيرة على أنّها جزء من الحفاظ على توازن عمليات اللاوعي المختلفة .
وهنا لا بدّ من توضيح آليات الدفاع النفسية و أسبابها :
إنّ آليات الدفاع هي عبارة عن أساليب لإخفاء أو تجاهل أو منع كل ما هو مرفوض في ذواتنا , ولمواجهة مطالب الهو والدوافع الغريزية كتمّرد من الأنا على كل ما هو سيّئ أو أليم أو غير محتمل .
وهي كالآتي :
1- التسامي : تحويل الطاقة الناجمة عن غريزة جنسية أو عن عنف إلى هدف آخر بدلاً من القيام بعمليات جنسية أو عنيفة , كالقيام بأعمال فنيّة أو أدبيّة تعبّر عنها , مثال على ذلك : (أعمال بيكاسو , و مايكل أنجلو ) , والروايات ” الايروتيكيّة ” .
2- الإزاحة : تحويل الفكرة أو الرغبة السيّئة اتجاه شخص معين , وتنفيذها على شخص أو شيء آخر , وذلك لتجنّب الشعور بالإثم مثلاً أو لعدم القدرة على مواجهة الشخص ذاته , وكمثال على ذلك : تكره والدك لسبب ما وترغب فعلاً في أذيته لكن لتجنب العقوبة أو الشعور بالإثم , تقوم بكسر شيء أمامك أو ركل حيوان ضعيف
3- الإسقاط : تمتلك فكرة دنيئة أو رغبة مكبوتة مشينة و لإبعاد الشبهات عنك أمام نفسك و أمام الآخرين , تقوم بإسقاط اتهاماتك (بالشيء الذي فيك) على آخرين بريئين من ذلك الشيء ! .. وكمثال على ذلك : طفل صغير قام بسرقة خلال سنوات دراسته وليتجنّب اللوم من نفسه ومن الآخرين يقوم باتهام أيّ طفل آخر بالسرقة , أو شخص مُثليّ الميول الجنسي , فيقوم باتهام أي رجل أمامه بأنّه مثليّ ويعتبر أي فعل هو دليل على مثلية الآخر حتى لو لم يكن كذلك , و أيضاً اتهام الزوج زوجته بالخيانة في حين يقوم هو بذلك .
4- التبرير : تقوم بأمر سيّئ وتدرك ضمنياً أنّه كذلك , أو تفكر بشيء غير مقبول , ثم تحضِّر له الحجج و الإثباتات على ضرورته أو أهميّته أو وجوب القبول به علناً , مثال مهم على ذلك : تعنيف الأطفال من الآباء بحجّة التربية والعقاب , وفكرة العقاب بحد ذاتها تعبير صارخ عن العنف حتى و لو كانت ردّاً على الخطأ , أو ضرب الزوجة وتبرير ذلك بوجوب السيطرة عليها كي لا تشذّ عن طريق الصواب. وهنا لابدّ من الوقوف قليلاً على أنّ ذلك قد يفسّر السادّية لدى البعض وتبريراتها المختلقة من الساديين.
5- النكوص أو الانحدار (البدائيّة ) : التصرفات “الطفولية ” التي تكون تجنباً للقلق أو الألم أو نقص حصل في مرحلة من “مراحل النمو الشخصيّة” والتي سنوّضحها لاحقاً , وتتمثّل الأفعال النكوصيّة بتبليل الفراش لدى المرضى البالغين في المشفى , أو مصّ الأصابع أو البكاء .. وغيرها.
6- الكبت : وهنا يدافع الأنا عن نفسه ضدّ نفسه , أيّ يكفّ عن الدوافع الغريزيّة بكبتها ومنعها من الوصول إلى الوعي , ومهمّة الكبت الأساسية مكافحة الرغبات الجنسية.
7- القلب ضدّ الذات : تحويل العنف الموّجه للخارج إلى عنف اتجاه النفس , وهذا ما يبرر “المازوخية ” , والحالات التي تصبح فيها الضحية تلوم نفسها وتوجّه التأنيب والإساءة والعقاب نحو نفسها بدلاً من توجيهه ضد من جعلها ضحية , مثال على ذلك : المرأة التي تبرر للمتحرّش بها أو بامرأة أخرى جريمته بأنّ اللباس أو السلوك كان سبباً في ذلك , علماً أنّه في جميع الأحوال كان سيقع فعل التحرش بوجود غريزة ثائرة لدى الجاني .
8- التشكّل الارتجاعي : وهنا يتم تحويل في شكل العاطفة أو الظاهرة نفسها , مثال على ذلك , أعراض متلازمة “ستوكهولم ” بحيث تتعاطف الضحية مع المجرم والرهينة مع الخاطف وقد يصل الأمر إلى مساعدته وتأييد أفعاله. فينقلب الكره إلى محبّة والحسد والأنانية إلى تضحية و إيثار وهكذا .
ويندرج تحت هذه الآلية , آليّة يمكن أن تقيم علاقات إنسانيّة إيجابيّة , وهي : ” التنازل الغيريّ ” , بحيث ينقلب الحسد إلى إيثار , والغاية من ذلك إشباع الغريزة الذاتية من خلال إشباع رغبة الآخرين , كامرأة تتجنب الزواج أو لم تتزوج لكنّها تسعى لزواج صديقاتها وتبارك لهنّ وتسعد بذلك , وغالباً ما ينشأ ذلك عن أنا أعلى شديد الحزم بحيث أنّه يحرّم على نفس صاحبه رغبة أو فعل ما , فيدافع الأنا عن نفسه هنا , بالشعور باللذة عند تحقيق هذه الرغبة ذاتها لدى الآخرين , وهذه أنانيّة تصبّ في مصلحة الآخرين كذلك , ومثال مهم هو ما يحدث في العائلات التي تمنع تعلّم الأنثى , فإذا كان لهذه الأنثى أخاً و قد حققّ إنجاز دراسي ما فإنّها تشجعه بل وتعمل على خدمته وتسخير له ما يساعد في نجاحه و كأنّها تنازلت عن رغبتها في النجاح , كذلك سعادة الآباء وفخرهم بتحقيق أبناؤهم ما لم يحققوه هم في حياتهم .
وعندما يتنازل شخص ما لآخر , فإنّه يحقق نشوة العطاء (دور المحسن ) حتى قبل أن يحقق الآخر رغبته، وهذا تحوّل لشعور الذل النرجسيّ إلى القوة والنشوة.
9- القلب إلى الضدّ : تحوّل المُعنَّف إلى عنيف , والضحية إلى مجرم , كالأطفال الذين يتعرضون للعنف في الطفولة , فيتحّولون لمجرمين عندما يكبرون , وهنا يصبح من تحمّل التهديد , مفتعلاً للتهديد .
و لكن في حال أخذ من تعرّض للعنف , سلوكيات وتصرفات و أفكار من عنّفه سابقاً , نصبح هنا أمام آلية جديدة تدعى بــ : ” التماهي أو الاستدماج ” , وهي تقليد ومحاكاة ينتقل بها الشخص من الدور السالب إلى الدور الموجب , أيّ من موقع المفعول به إلى موقع الفاعل , وفي المرحلة التي تلي التماهي , يحدث الهجوم المباشر تلقائياً .
و يشمل التماهي :
آ- التماهي مع المعتدي : تقليد المعتدي في السلوك والفكر والشخصية .
ب- التماهي مع العدوان : محاكاة وتوجيه العدوانيّة بأساليب جديدة وأفكار مختلفة عن المعتدي الأول.
ج- التماهي مع مظاهر القوّة في المعتدي : عنف جديد ولكن بنفس أساليب ووسائل العدوان والعنف الأول.
10- الإنكار : وهو تجاهل أو رفض ما هو غير محتمل من التأثيرات الخارجيّة , أيّ يدافع الأنا عن نفسه ضد الأخطار القادمة من المحيط به . يندرج تحت هذه الآلية , ما يدعى بــ : ” الإنكار بالتوّهم ” , وهو رفض الاعتراف بما هو مكروه من قبل الأنا في الواقع واللجوء إلى التخيّلات المعاكسة وأحلام اليقظة لتحقيق الرغبات خدمةً لمبدأ اللذة , كالطفل الذي يتمنّى أن يكون كأبيه قوّة وضخامةً أو حتى في حجم القضيب كما وصف ذلك فرويد , فتتوّجه تخيّلاته لتحقيق ذلك , من خلال صور ينسجها في مخيّلته وتظهر للخارج بشكل رموز لها دلالاتها الدفينة في نفس الطفل . بحيث تتحوّل هذه الآلية لدى الطفل إلى آليّة تحاشٍ لكل ما هو مثير للألم أو الكدر كلّما تقدّم في العمر , وتعدّ من الآليات البدائية الطبيعيّة في النفس.
أمّا بالنسبة لأسباب نشوء الآليات الدفاعية وظهورها , فهي :
1- الخوف من الأنا الأعلى : تجنّب تقريع ولوم الأنا الأعلى في حال القيام بفعل غير مقبول أو التفكير به .
2- الخوف الفعلي (الخوف من الخارج ) : ولا سيّما عند الأطفال , كالخوف من عقوبات الأهل والمدرسة , فيكون الدفاع تحت ضغط خارجي .
3- الخوف من الدافع الغريزي (قوّة الغريزة ) : أي الخوف من اختلال التوازن بين أجزاء النفس , أو حدوث مكروه نتيجة تغييرات ناجمة عن هذه الغرائز.
وقد حدّد فرويد مراحل نمو الشخصيّة بخمس مراحل , وهي الترتيب :
1- المرحلة الفموية : الفم مرتبط باللذة , وإنّ أيّ حرمان للطفل في هذه المرحلة نتيجة عدم اتصاله الفمويّ الصحيح أو الجيّد بالثدي لدى الأم أو المرضعة , سيجعل منه ما أسماه فرويد “شخصاً فمويّاً ” لينتج عن ذلك مشكلات لاحقاً , كالشراهة للطعام أو كثرة التدخين أو مصّ الإبهام , كمحاولة للوصول إلى إشباع حرمانه السابق .
2- المرحلة الشرجيّة : ترتبط بالشرج , وتتمثّل باستخدام المرحاض والاعتماد على النفس في ذلك .
3- المرحلة القضيبيّة : إدراك وجود الأعضاء التناسلية و توّجه الانتباه لكلّ ما يتعلّق بها عند الذكور والإناث على حدٍّ سواء , وينتج عن النقص في هذه المرحلة أمور لاحقة كحبّ الظهور و الرغبة في الهيمنة والإخضاع .
4- مرحلة الكمون : المرحلة التي يدرك فيها الطفل حسب فرويد طبيعة العلاقة بينه وبين أمّه , وطبيعة العلاقة بين أمّه وأبيه , ومن ثمّ علاقته مع أبيه , فيحدث قمع للجنس في نفس الطفل , بعد التفكير بتلك العلاقات , ليوّجه اهتمامه نحو الحياة من حوله و ارتباطه بالمحيط الاجتماعي ولا سيّما في فترة دخوله للمدرسة .
5- المرحلة التناسليّة : هي المرحلة البالغة الصحيّة , وتظهر على شكل اهتمام بالجنس أو المقاييس المرتبطة به وبناء العلاقات , وتأجج العواطف بشكل كبير.
و بالانتقال إلى تعريف “الأخلاقيّة ” من وجهة نظر “فرويدية ” : فإنّها تتحقق عندما يتطابق النّقد والرفض (المتجسّد في قيم الأنا الأعلى و أحكامه ) مع إدراك الأنا لأغلاطه ومساوئه الشخصية .
وقد أوضح فرويد ذلك بأن قال أنّ كل احتقار من الإنسان لأفعال الأخرين غير المقبولة وما ينجم عن ذلك الاحتقار من غضب واستنكار , هو في حقيقة الأمر يعود لشعوره الخالص بذنبه الشخصي , فكلما زادت وتيرة الاحتقار عبّر ذلك عن زيادة ترسّخ إدراكه لذنبه هو .
لكن في المرحلة التي يبلغ فيها الإنسان “الأخلاقيّة ” يتحوّل الغضب والاحتقار الذي كان موّجهاً لأفعال الآخرين إلى أفعاله هو , فتنتقل القسوة من الخارج إلى الداخل , ومن التشدد مع العالم الخارجي إلى التسامح والاعتدال في التعامل , على أنّ النقد الذاتي وتأنيب الضمير والكدر الناتج عن الخجل من الخطأ سيزداد تلقائيّاً لديه , وكما هو معلوم , فليس كلّ الناس يصلون إلى هذه المرحلة , بل إنّ البعض يبقون عالقين في مراحل أكثر بدائية , لذلك نجد مظاهر قسوتهم وعنفهم تبقى موّجهة نحو الخارج دون وجود الحزم مع أناهم الشخصية .
و أخيراً لابدّ من ذكر أمرين مهمّين حول التربية الأسرية والمجتمعيّة , وتربية النفس للنفس :
أولاً : إن إقامة التربيّة على وسائل التعنيف والإهانة والضرب , لن يكون ناجحاً بل سينتج عنه أعراض مَرَضية و العصاب (اضطرابات نفسية واختلال في تكوين شخصية الطفل ) بل لابدّ من إقامة التربية على التسامح مع الذات والاعتراف بالزلل وقبول الضعف البشري وواقعه عموماً , بدلاً من ترك نفس الطفل تتشرّب أوامر وتوجيهات صارمة يصعب الالتزام بها وحتى لو تمَّ الالتزام بها فلابدّ و أنها ستترك أثراً سلبياً على نفسه وحياته .
ثانياً : وجود مبالغة في حزم الأنا الأعلى بشكل لا يتوافق مع الطبيعة البشريّة , لن يؤدّي إلى الرقي أو نمو شخصية الإنسان بل سيقف عائقاً في طريق فضوله واكتشافه , بسبب اعتماد اختياراته على مبدأ تحاشي الكدر والألم والتقريع بدلاً من الاختيار وفقاً للموهبة أو القدرة أو الضرورة .
ختاماً، لابدّ من ذكر ما عايشه فرويد في طفولته بين أمٍّ تصغر والده بعشرات السنين , و عائلة مُلاحقة ومضطهدة في بلدته , و تعنيف والده له في صغره رغم تحسن علاقتهما بعد ذلك , وفضلاً عن هذا تعرّضه لعنفٍ موّجه من ابن أخيه , الذي كان يكبر سيجموند بعام , فيضطرّ الأخير لاحترامه , و إدمانه ” الكوكائين ” وواقع الحرب العالميّة الثانيّة ومعاملة النازيين له , (بحكم أنهّ كان يهوديّاً ) ,كل ذلك وبعد الاطلاع على حياته يوضّح لنا نشوء الكثير من أفكاره , ولا سيّما تلك المتعلقّة بالسنوات الثلاث الأولى من حياة الطفل وأفكاره المتعلقة بالأدب والفن والتديّن والحرب والحضارات والتي فسّّر فيها التاريخ البشريّ كلّه من خلال الدافع اللاشعوري للجنس والعنف , والصراع بين أجزاء النفس , و هذا ما وجّه الاتهام لنظريته على أنّها تعسفيّة ذاتية .