ثقافة المحمول بين التهميش و آلتيك آوي
لعله لا يخفى على الناظر أن الثورة الرقمية اجتاحت كل جوانب الحياة ، على الرغم أن هذه القفزات و الوثبات التكنولوجية مازالت في مهدها. ولعل من أكثر أنواع التكنولوجيا المستخدمة في عالمنا اليوم هو الموبايل ، فهو يمثل أداة للتفاعل الثقافي و الاجتماعي والإنساني.
لعله لا يخفى على الناظر أن الثورة الرقمية اجتاحت كل جوانب الحياة ، على الرغم أن هذه القفزات و الوثبات التكنولوجية مازالت في مهدها. ولعل من أكثر أنواع التكنولوجيا المستخدمة في عالمنا اليوم هو الموبايل ، فهو يمثل أداة للتفاعل الثقافي و الاجتماعي والإنساني.
فلقد انتشر انتشارًا مفزعًا و مخيفًا ، وأصبح عادة لا غنى عنها ، و شيئا أساسيا في حياتنا تستخدمه كل أطياف المجتمع و فئاته ، لا فرق في ذلك بين صغير و كبير ، ذكرًا أو أنثى ، شاب أو شيخ ، غني أم فقير. ولما لا وقد قرب المسافات ، واختزل الحواجز ، وأزال الحدود ، وجعل العالم قرية صغيرة.
و لقد تعددت استخدامات و استعمالات المحمول لتشمل كل مجالات الحياة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية ، على سبيل المثال لو أمعنا النظر في المجال الاقتصادي نجد رجال الأعمال يستخدمونه لأغراضهم الاقتصادية ، ومتابعة المشاريع بشكل يومي و دوري ، على الجانب الآخر نراه في أيدي المراهقين الذين يتباهون بمظهر الجهاز ، وارتفاع ثمنه. و لا يقتصر الآمر على ذلك فحسب، بل هناك الاستخدامات العلمية و التعليمية مثل متابعة أحدث ما توصل إليه العلم من معارف و معلومات ، و الاشتراك في القنوات و المواقع الاليكترونية ، و استخدام البلوتوث و الرسائل القصيرة، أيضا هناك الوسائل الترفيهية مثل التواصل مع الأهل و الأحباب.
باختصار لقد غزا المحمول كل جوانب حياتنا ، ودخل في تفاصيلها، و نسج أحداثها، لقد تسلل إلى حياتنا كما تتسلل أشعة الشمس الذهبية إلى منازلنا بدون سابق إنذار أو تنبيه. وطبقا لقانون أن لكل فعل رد فعل ، نتج عن استخدام المحمول ثقافة نستطيع أن نطلق عليها ثقافة آلتيك أوي ، فهي ثقافة سريعة الإيقاع مثل نغماته ، ثقافة هامشية سطحية بعيدة عن العمق ، هي ثقافة الغاية في ذاتها ، و ليست ثقافة الوسيلة ، لقد أصبح المحمول غاية في ذاته ، وتلك هي إحدى مظاهر الأزمة الحضارية .
أصبح الموبايل لعبة معقدة من الوظائف و الآليات ، و أضحت الوسائل غاية في ذاتها تتطلب التجديد و التفنن و الصقل. من هنا فالهاتف المحمول كظاهرة اجتماعية و تواصلية ثقافية يعكس بصورة جلية انقلاب جدلية الوسائل و الغايات. كذلك أدى استخدام المحمول إلى ظهور ثقافة نستطيع أن نقول عنها أنها لا تعبر عن شئ ذو هدف ، بل هي فقط ثقافة الرغبة المحمومة و اللهث وراء اقتناء أحدث الصيحات في عالم الموبايلات، من هنا نستطيع أن نطلق عليها ثقافة الموضة ، مثلاً يعد عدم اقتناء أو امتلاك شخص الموبايل ينظر إليه بازدراء و سخرية و كأنه متخلف ، هذه الثقافة دخلت بعد استخدام الموبايل أنها ثقافة الافتخار.
و لا نبالغ في القول أن استخدام الموبايل رسخ في بعض الأحيان لثقافة طائفية ابتداء من رنين المكالمة ، والتي تكون نشيد ديني أو نغمة دينية ، تشجع بطريقة غير مباشرة على التمييز العنصري أو الديني. من هنا ثقافة المحمول ثقافة هامشية و سطحية تجعل الإنسان يعيش داخل ذاته ، و يشعر بالاغتراب مع عالمه، لأن كل فرد يتعامل مع المحمول يعيش معه و يتفاعل معه لدرجة أنه أحيانا لا يشعر بالآخرين حوله، من هنا تنشا ثقافة العزلة و الانعزال ، و التي تجعل القيم الروحية قيم مادية فقط، و تصبح قيمة الإنسان تقاس بما ينتجه من سلع مادية. لذا يجب ألا نكون عبيًدا للأله و استخداماتها، و أن تعامل مع أي تكنولوجية باعتدال ، و لا يجب ان نفرط في استخدامها.
ونجد أيضا أن التطور التقني و منه المحمول قد همش الكثير من الأمور التي كانت من اختصاص البشر و مهامهم ، فقد ألغى المحمول مثلا الكتاب إلى حد بعيد و البائعون ، لأن الكثيرون أصبحوا يلجئون إلى تحميل الكتب الاليكترونية عوضا عن الورقية .
و لعل من أخطر الثقافات التي نتجت عن استخدام المحمول ثقافة تضييع و إهدار الوقت ، أصبح الوقت لا قيمة له من كثرة استخدام المحمول. أيضا رسخ استخدام المحمول إلى ثقافة التواكل و السلبية في أداء الأدوار و الواجبات الاجتماعية ، نكتفي اليوم في ظل المحمول بمكالمة هاتفية نعزي بها الأخريين أو نهنئهم. لذا ندعو إلى استخدام المحمول باعتدال و في الأغراض العملية التي تفيد و لا تضر ، و أن نرسخ لثقافة العيش المشترك.