ترامب القشة التي قصمت ظهر الرأسمالية وفتحت الطريق لعودة اقتصاد السوق
الناخب الأمريكي في عام ٢٠١٦ كان يبحث عن بديل جذري يمكن من معالجة تدهور حالة الطبقة الأمريكية الوسطى وكل الطبقات السفلى التي تليها.
الناخب الأمريكي في عام ٢٠١٦ كان يبحث عن بديل جذري قادر على معالجة تدهور حالة الطبقة الأمريكية الوسطى ماديا وكل الطبقات السفلى التي وقعت تحت وطئت التفقير نتيجة إهمال الساسة لها. فمع تتالي تجاهل الرؤساء الأمريكان تآكل قدرات الطبقة الاقتصادية الوسطى والدنيا أدى بالناخب الأمريكي الى البحث عن شخصية مختلفة جذريا عن تلك الشخصيات التي يرشحه الحزب الجمهوري والديمقراطي، ضنا منه أن هذا البديل قد يكون المنقذ المنتظر.
في نظر الكثير “ترامب” كان هو ذلك الشخص المنتظر. فهو ليس بحزبي ( قيد اسمه في الحزب الجمهوري فقط ليظهر بأنه حزبي). كما أنه تحدث عن رغبته بتغيير الوضع الأمريكي بشكل جذري. فصوتت له الناس.
لكن الرئيس ترامب شخصية جدليّة واستفزازيّة ولم يعالج جذور المشاكل. والوضع في أمريكا مع التظاهرات الحالية ضد العنصرية كشفت عن مدى تفشي الفقر في أمريكا. فأصبح السطو على المحال التجارية أمر كاشف عن مدى تجاهل الساسة الأمريكان معالجة البطالة والفقر في أمريكا.
حقيقة كان الوضع المجتمعي الاقتصادي الأمريكي للطبقة المتوسطة ينذر بأنه سيء منذ أن خرجت جموع الشباب المثقف في عهد الرئيس أوباما تحديدا في 17 سبتمبر عام 2011 حين اندلعت الاحتجاجات بخروج متظاهرين بالمئات في شارع وول ستريت بمدينة نيويورك الأمريكيَّة ثم تحولت الى حركة تسمى “احتلوا وول ستريت”. نجح الرئيس أوباما من إخماد تحرك الشباب المثقف لكنه فشل من أن يعالج جذور المشكلة مثله مثل الرئيس ترامب.
مع تطور تلك الأحداث قررت مجموعة من الطلائع الفكرية في حركة “احتلوا وول ستريت” البحث عن حل اقتصادي وأخلاقي من داخل المنظومة الفكرية الغربية. لم يكن صعبا أن نحزر أن الجميع عاد الى كتب أب الفكر الاقتصادي الغربي، آدم سميث، ت. 1790.
فدعونا نستذكر آدم سميث لنعرف كيف يتسنى لأفكاره من أن تثري مفاهيمنا للتوصل الى تطوير منظومة فكرية تنجد أمريكا اقتصاديا وأخلاقيا؟
200 عاما قبل زمن آدم سميث كان زمن استيقاظ النهضة الأوروبية من سبات عصر الظلمات. فهناك إجماع على أن عصر النهضة بدأ في فلورنسا بإيطاليا في القرن الرابع عشر. كما إنه زمن هجرة الباحثين في الدراسات اليونانية ومعهم النصوص اليونانية إلى إيطاليا بعد سقوط القسطنطينية على يد الأتراك العثمانيين.
ونتيجة لهذه النهضة تراجع الإقطاع الزراعي وبزغ فجر الحقبة الصناعية وهو زمن آدم سميث. آدم سميث رجل من الطراز الأول فقد ولد في 5 يونيو 1723 وتوفى 17 يوليو 1790 وقد لا حظ آدم سميث انهيار النظام الإقطاعي في القرية ولاحظ صعود المدينة حيث فرص العمل والصناعة.
لاحظ الظلم واستغلال التجار والصنّاع للقرويين. فأجورهم متدنية ولا يوجد لهم مساكن ولا رعاية طبية بل كانوا يعاملون بلا حقوق منصفة. فكتب أول كتاباته المهمة وهو كتابه الفلسفي المعروف باسم
“نظرية العواطف الأخلاقية” و الذي صدر سنة 1759.
فقد كان آدم مهتم بدراسة أخلاقيات الجشع في المجتمع الأوروبي في مراحله المبكرة عندما كانت الكنيسة تضعف، وكانت الإقطاعية تتفكك، وكان نفوذ التجار يتصاعد . فأراد وضع معادلة اجتماعية أخلاقية سليمة ومنصفة. في هذا الكتاب تحدث عن أهمية الأخلاق في المدينة خصوصا في زمن هجرة الضعفاء من القرى لطلب الرزق في المدن الأوروبية.
بعد ذلك ألف كتابه الأهم وهو: كتاب “بحث في طبيعة ثروة الأمم وأسبابها” (1776).
في هذا الكتاب تحدث عن “السوق” في المدينة. وطريقة عمل السوق، وتحدث عن ماهي أخلاقيات السوق السّوية الذي يجب أن يمارسها التجار مع المستهلكين .
لذلك يجب علينا العودة إلى أدم سميث لإعادة اكتشاف السوق وأخلاق السوق.
عندما ألف آدم كتابه ثراء الأمم أراد من المجتمعات الصناعية الحديثة أن تؤسس اقتصادا يصون قيم وحقوق المجتمع خصوصا المستضعفين منهم. أراد اقتصادا حاضنا للقيم الأخلاقية على ضوء أفكار كتابه “نظرية العواطف الأخلاقية”.
آدم سميث (5 يونيو 1723 – 17 يوليو 1790) هذا الفيلسوف الأخلاقي وعالم الاقتصاد اسكتلندي وأب الاقتصاد الغربي
دخل في معركة خطابية واسعة ضد الشركات الرأسمالية المتوحشة خصوصا شركة الهند الشرقية. فقد ألقى أكثر من محاضرة في البرلمان البريطاني ينصحهم بالتخلي عن أنموذج شركة الهند الشرقية. وقال أنه لا تنجح دولة بدعم شركة تمتلك 70,000جندي. شركة فاسدة ومفسدة في الأرض. تقبل الرشاوي من الحكام وتستضعف الخلق. وقال أن هذه الشركة غير المربحة أنموذج سيجلب الويل على بريطانيا.
وحصل ما توقعه آدم سميث ونقصد بذلك تلك الحادثة المشهورة باسم “حادثة حفلة شاي بوسطن” والتي كانت نقطة انطلاق الحرب الأهلية الأمريكية ضد شركة الهند الشرقية وضد التاج البريطاني. والتي آلت في نهاية المطاف الى استقلال أمريكا.
فحادثة حفلة شاي بوسطن كانت حركة احتجاج سياسي قام بها مجموعة من طالبي الحرية في بوسطن، التي كانت مدينة تتبع المستعمرة البريطانية في ماساشوستس، ضد سياسات الضرائب للحكومة البريطانية وشركة الهند الشرقية التي كانت تتحكم بجميع مستوردات الشاي إلى المستعمرات. في 16 ديسمبر 1773 رفض بعض المسؤولين في بوسطن إعادة ثلاث شحنات من الشاي المجمرك إلى بريطانيا، قام مجموعة من المستوطنين بتسلق السفن وتخريب الشاي برميه في ميناء بوسطن.
تعتبر هذه الحادثة من نقاط اشتعال الشرارة في التاريخ الأمريكي.
الملفت للباحث أن آدم سميث لم يتحدث عن الرأسمالية أبدا بل لم يستخدم هذه المفردة على الإطلاق. فالرأسمالية، التي لم يكتب عنها آدم سميث، فكر اقتصادي قآئم على قيم أنانية يسمونها تلطفا “المصلحة.”
في حين أن آدم سميث تحدث عن ” السوق” وعن اقتصاديات وسلوكيات وأخلاقيات “السوق”.
فكل المدن القديمة لها (alter Markt) “ستي سنتر” ولها ميدان كبير فيه دكاكين.
كل الناس الذين يسكنون في حاراتهم المختلفة يخرجون من حاراتهم ليذهبوا إلى السوق.
كل حارة تحتضن أقوام معينة. طبقة معينة، تخصص معين و تعليم معين، طائفة معينة، فالحارة مكان للهوية الخاصة
في حين أن السوق مكان للهويات جميعا فهو مكان التقاء أتباع جميع الهويات الخاصة. وتجار السوق هم من يلتقي بكل التنوع الذي تحويه المدينة.
فتجار السوق أكثر أفراد المجتمع فهما للتنوع الثقافي والطبقي والطائفي في المدينة. وأكثر الناس فهما لعقل ومنطق ووجهة نظر وطرق تفكير لأفراد كل حارة. فعقلية السوق هي عقلية حاضنة للتنوع ومكان السوق هو مكان التقاء التنوع. والأهم أن السوق هو مكان مؤطر بأخلاق نابعة من كتاب “نظرية العواطف الأخلاقية”. “السوق” الآدم إسمثي مفهوم كبير جدا.
عندما تكلم آدم سميث عن “السوق” وعن اقتصاديات السوق وعن أخلاقيات السوق
تكلم عن شيء كبير كبير كبير جدا نحن بأمس الحاجة الى إعادة اكتشافه.
ففي وجهة نظري من لا يقرأ عن آدم سميث لا يعرف الجذور الفكرية لمعنى السوق وللاقتصاد الحر الفاعل والمشكل المحتمل القوي في عقليات وثقافات الكرة الأرضية.
والأهم من لا يقرأ لآدم سميث لن يعرف كيف تم تحريف أفكار آدم سميث تدريجيا من
اقتصاد وأخلاقيات السوق الى اقتصاد وأخلاقيات الرأسمالية أي:
عقلية الأنانية أو المصلحة أي مصلحة النخب وهي كلمة تعني تحقيق الثروة
بغض النظر كيف يتم تحقيقها.
آدم سميث المنظر الأخلاقي الإيرلندي الذي يقول الكثير عنه أنه أبو الاقتصاد الغربي ولكن حقيقة إنهم لا يتبعون أفكاره ولا يمارسون اقتصاده ولا أخلاقه.
فهل سنعود الى اقتصاد السوق الآدم سمثي عسى ولعلى نجد ضالتنا فيه؟
لعل اهم شي ذكرته استاذي العزيز هو اخلاقيات السوق التي اهتم بها ادم سميث كثيرا ، في راي ان هذا العصر فقد بريقه الاقتصادي والتجاري، بل اقول انه لا توجد تجارة ولا اقتصاد بمعنى الكلمة اي ان هذا العصر هو عصر تجارة الاوراق المالية وصناعة الاوراق المالية ، اقصد ان لم تطبع اموال او دعنا نقول ان لم تخرج اموال للناس فلن يكون هناك سوق ولا تجارة ولا حتى صناعة ، فالمسيطرون اليوم هم من يملكون الة طبع النقود فالجانب الاخلاقي قضت عليه فزاعة الراسمالية ، ولعل اول من قضت عليه هو حاميها والمتشدق بها صباح مساء امريكا ، والذين ضنوا انها حرية مالية وهي في حقيقتها زيادة في الديون وزيادة في الفقر والجوع ، وما يحدث في امريكا اليوم من غليان الشعب هو تراكم لفساد اخلاقي لنظام مالي لم يعد صالح لهذا الزمان ، لم يخطئ ادم سميث في التحدث عن اخلاقيات السوق ،بل هذا ياخذنا للحذر من انه موضوع قديم لم يتفطن اليه اصحاب المال والحكام اليوم ، قد يادي لانفجار مجتمعي كبير له تبعات عظيمة .
وهذا الموضوع متشعب جدا ياخذنا من عالم التجارة والصناعة الى عالم السياسة ، الى عالم الاجتماع ، لذلك فمن الجيد لو اضاف لنا كاتب المقال المزيد من هذا الموع . شكرا
ماتناولتموه استاذي شيء غاية في الاهمية وواقعية نعيشها ….الغرب خاصة هم اهل الحاضرة المجددة للافكار والنظريات كون كسروا النسق الثابت والصلب المتشدد دينيا وسياسيا ومجتمعيا ..كلنا نعرف وشهدنا نمطيات التحول في مجتمعاتهم والافكار والمضامين التي أسسوا بها مجتمعاتهم وسياساتهم ..والمقالة تأخذ ابعاد مرتبطة بالحداثه ومابعد الحداثه وماهي نتائج الاولى والثانيه التي لمس في الاخير المجتمع الفوضوية والعنصرية واستعمال القوة انى شاؤوا …
الحداثه كما اشرنا هو نسق جديد حاول كسر أُطر التشد ..والحداثه هي المادة الصلبه ويقصد بها فكرة المنفعه حيث يكون الانسان أسير لأنماط السوق والآلة والقوة والمنفعة وهذا ماأفرز العقل الأداتي وظاهرة التشيؤ وأفرز ايضا مايسمى وثنية الآلة ووثنية السلعة ..ثم اليوم مابعد الحداثة وتسمى بالمادة السائلة حيث ظهر فكر الاقتصاد الحر من نتائجها أخذت تتغير النظرة المادية من فكرة المنفعة والقوة والانتاج وسيطرة وسائل الانتاج التي كانت محور الصراع بين الامم وبين المعسكرين الشرقي الاشتراكي والمعسكر الغربي واصبحت تلك النظرة المادية تعتمد ع فكرة المتعه والاستهلاك عوضا عن المنفعه والانتاج فلأنسان هنا بوصفه مستهلكا يبحث عن المتعه لابوصفه منتجا نافعا كما في السابق ..أن الاستهلاك المستمر والتحديث المتتالي سببا في حالة من الفرديه طغت على أهمية الجماعة ..فاصبح كل فرد يواجهه الحياة بمفرده .فاضحى المجتمع عبارة عن جماعة تواجه مشاكلها بشكل فردي ..كل فرد على حدا ..فاصبحت التجمعات البشرية في الحفلات والمعارض والمنتجعات السياسية والمراكز الرياضية تجمعات صاخبة تخلو من اي علاقات إنسانية .بل هي علاقاتةسطحية تقوم ع ممارسة اللحظة الحاضرة واستهلاكها دون الاهتمام بتكوين روابط حقيقية ..
فعلى هذا لن تتمكن التكنولوجيا ولاتقدمها من ان يزيدا فرصة الحياة المستقرة بل ع العكس تماما سيسلبان من الفرد كل إمكانية بتطوير الذات ..فلا سكينة ولاهدوء روحي بسبب امتزاج كل شيء وغياب الشيء الواضخ المفهوم الثابت ..فأنتج لنا اضطرابا أخلاقيا أصبح معه الشر مبررا حتى من جانب الدولة ..والوقوع تحت وطأة الاستهلاك والقلق مما يخبىه الغد…هو برهان لما يحصل اليوم في أمريكا وكل الدول الغربية وحتى الشرق اسيوية ….بوركتم استاذنا فالمقالة فتحت قريحتنا لتناول اسباب الوصول لما عليه اليوم الحال ..والمؤسف في كثير منظرين ومفكرين كما وضحتم لا تؤخذ حلولهم وما وصلوا له من نتائج عين الاعتبار ….
سُعدنا بمقالتكم