سنن اجتماعية قرآنية
هناك إشارات قوية في كتاب الله رب العالمين الحكيم العليم إلى أن الاجتماع البشري تحكمه قواعد ويسير وفق قوانين يطلق عليها “السنن” ناظمة للآفاق والأنفس والمجتمعات والتاريخ..
هناك إشارات قوية في كتاب الله رب العالمين الحكيم العليم إلى أن الاجتماع البشري تحكمه قواعد ويسير وفق قوانين يطلق عليها “السنن” ناظمة للآفاق والأنفس والمجتمعات والتاريخ..
سوف يتضح ذلك في الفقرات اللاحقة من خلال الرصد، داخل عالم القرآن، والاستقراء والانتقاء والوصف والفهم والتفسير والتحليل.. تلك بعض مناهج السوسيولوجيا؛ على أساس ما له علاقة بالماكروسوسيولوجي بسبب بساطته في الاشتغال مقارنة مع الميكروسوسيولوجي، أي التركيز على الموضوعات السوسيولوجية المحورية فحسب.
مفهوم السنة:
قال الراغب الأصفهاني:
” السنن جمع لسنة، وسنة الوجه طريقته، وسنة النبي طريقته، وسنة الله تعالى قد تقال لطريقة حكمته “.
الشاهد عندنا من النص؛ “طريقة حكمته”: تدبير قدره سبحانه وتعالى الكون ومفرداته مادة كانت أو نفسا..
قال تعالى:
” سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا ” (الأحزاب 38)
” سنة الله تعني تدبير الله في خلقه.. الله عز وجل قد سن لكل أمر في هذا الوجود حكما (قانونا) لا يحيد عنه.. فالسنن التي فطر الله عليها أمور خلقه هي مجموعة قوانين التي سنها الله لهذا الوجود، وأخضعها لها مخلوقاته جميعها على اختلاف أنواعها وتباين أجسامها “.
خصائص السنة:
تتصف سنة الله في الخلق بالشمولية والتكرار والاطراد والثبات من خلال الجمع بين المقدمات والنتائج والأسباب والمسببات والفاعل الله جل وعلا بما اكتسبت أيدي الناس.
كلما توفرت المقدمات تلتها ما تستحقه من نتائج بإذن الله تعالى. قال تعالى:
” وإن عدتم عدنا ” (الإسراء )
” وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين ” (الأنفال 38)
” فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ” (فاطر 43))
من عدل الله سبحانه، السنن الاجتماعية لا تحابي أحدا مؤمنا كان أو كافرا في النفع والضرر على حد سواء.
قال تعالى:
” كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ” (الإسراء 20)
” ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ” (النساء 123).
ما فاز من فاز إيمانا وعمرانا إلا بمعرفة سنن الله التعبدية والكونية الناظمة لعالم الغيب والشهادة رصدا واكتشافا وتحكما حسب الإمكان.
من الآيات الوارة في القرآن الكريم حول التجمعات البشرية وعلاقتها بسنة الله ما يلي:
” يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ” (النساء 26)
” سنة الله في الذين خلوا من قبل ” (الأحزاب 62)
” فهل ينتظرون إلا سنة الأولين ” (فاطر 43)
” إلا أن تأتيهم سنة الأولين ” (الكهف 55)
” سنة الله التي قد خلت في عباده ” (غافر 85)
إلى غير ذلك من الآيات التي تشير إلى علاقة سنة الله بالتجمعات البشرية.
السير في الأرض
أمرنا المولى عز وجل باكتشاف السنن الناظمة للمجتمعات البشرية من خلال السير في الأرض وإعمال ملكة النظر.
قال تعالى:
” قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين “
إشارة إلى معرفة أسباب هلاك الأمم والحضارات..
” أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ” (يوسف 109)
” أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة ” (غافر 21)
” قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ” (العنكبوت 20)
الآية الأخيرة إشارة قوية إلى ما تشتغل عليه الأنثروبولوجيا والأركيولوجيا والأبيغرافيا..
الاعتبار والاستبصار
السير في الأرض وإعمال النظر يفضي إلى رصد السنن الناظمة للآفاق والأنفس والتجمعات البشرية من حيث الخلق والنتائج والعواقب والمصير والمآل والمقدمات والنتائج مع أخذ العبرة والدروس وصقل ملكة اليقظة والبصيرة بغية تقليص مساحة الجهل بسنة الله في الخلق. وما يعقلها إلى أولي الأبصار. قال تعالى:
” فاعتبروا يا أولي الأبصار ” (الحشر 2)
” إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ” (آل عمران 13)
عموما مما يساهم في رصد سنة الله في الخلق؛ السير في الأرض مع إعمال النظر بغية الاعتبار والاستبصار من أجل حسنة الدنيا وحسنة الآخرة
* مراجع:
– أحمد محمد كنعان، أزمتنا الحضارية في ضوء سنة الله في الخلق
– إلياس بلكا، القرآن وعلم الاجتماع