هل يجوز الصيام بتوقيت مكة وإقامة التراويح في المنزل؟
كثرت أسماء صلاة الليل فتارة هي نافلة الليل وتارة هي التراويح، وتارة صلاة قيام الليل ومرة هي عبادة التهجد.
أنواع صلاة الليل:
كثرت أسماء صلاة الليل فتارة هي نافلة الليل وتارة هي التراويح، وتارة صلاة قيام الليل ومرة هي عبادة التهجد.
بخصوص صلاة الليل فهي سنة رتب على قيامها الرسول (ص) كل ليلة من كل عام ولم تقتصر على شهر رمضان أو أي شهر آخر.
إحدى عشر ركعة
فقد روى مسلم في صحيحه عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة فإذا فرغ منها اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيصلي ركعتين خفيفتين.
هذا الحديث يصحح مفهومنا لصلاة الليل ويثبت أنها صلاة تؤدى في كل ليلة. كما يبين لنا هذا الحديث أن أصل صلاة الليل تقام في المنزل لا في المسجد.
أربعة مرات لا أكثر
والقصة أن الرسول (ص) جهر بصلاة ليلة في ثلاث أو أربع ليالي فقط وذلك تحديدا في شهر رمضان حين صلاها في مسجده أمام المسلمين.
فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن الناس صلوا بِصَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم لمدة ثلاث ليال وفي الثالثة أو في الرابعة لم يُصلّ.
وحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ عَائِشَةَ ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، خَرَجَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ بِذَلِكَ ، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ ، فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ ، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ ، فَخَرَجَ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَطَفِقَ رِجَالٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ : الصَّلَاةَ ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، ثُمَّ تَشَهَّدَ ، فَقَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ شَأْنُكُمُ اللَّيْلَةَ ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا
يفهم جمهور من العلماء من هذا الحديث أن الرسول (ص) أمّ الناس في صلات ليله في المسجد. في حين أن بعض آخر من العلماء يتوقف عند تعبير “فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ” ليفهموا أن الرسول (ص) كان يصلي مفردا والناس هم من صلوا بصلاته خلفه (ص).
لنعود الى حقيقة أن سنة الرسول (ص) كانت صلاة الليل أمام الناس في المسجد لم تزد على اربعة مرات.
لذلك كان شيخي الحنبلي لا يصلي التراويح جماعة في رمضان أكثر من أربع مرات ويصلي قيام الليل احدى عشر ركعة كل ليلة في السنة في منزله وكان يأمرني باتباع هذا الإجتهاد والله أعلم.
إذا فصلاة التراويح في الظروف العادية فيها تفاصيل وأراء متباينة بين المجتهدين بعضها مشهور وآخر أقل شهرة. أما في ظروف منع الجماعات وإقفال دور العبادات علينا أن نلتزم برأي الجماعة ونلتزم بتحقيق “الصالح العام” ما أمكننا ونلتزم بأن لا نعرض أنفسنا ولا غيرنا الى ما يجلب الضرر والضرار.
عدد ساعات الصيام
أما بخصوص عدد ساعات الصيام ففيه جدل فقهي بين من يجيز وآخر لا يجيز. فهناك عدد من المشايخ يقر بشرعية تقليل ساعات الصيام. ومنهم الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية الأسبق رحمه الله.
ومنه ما ورد عن رأي العلّامة الشيخ مصطفى الزرقا:
ويقول العلّامة الشيخ مصطفى الزرقا في كتابه ((العقل والفقه في فهم الحديث النبوي، ص: 124، ط. دار القلم)): الأحاديث النبوية الواردة يجب أن يُفتَرَض أنها مبنية على الوضع الجغرافي والفلكي في شبه الجزيرة العربية، وليس بجميع الكرة الأرضية التي كان معظمها من برّ وبحر مجهولًا إذ ذاك لا يعرف عنه شيء، بل إن هذه الأماكن القاصية والمجهولة شمالًا وجنوبًا -مما اكتُشِفَ فيما بعد- يجب أن تعتبر مسكوتًا عن حكم أوقات الصلاة والصيام فيها، فهي خاضعة بعد ذلك للاجتهاد بما يتفق مع مقاصد الشريعة” اهـ بتصرف يسير.
مشيخة دار الإفتآء المصرية
فإذا كان الصيام ساعاته طويلة فيجوز لكبير السن والضعيف والعاجز وذوي الأعذار إتباع
مقترح سماحة مشيخة دار الإفتآء المصرية ، د. شوقي علام، التي إقترحت لأهل أوروبا مكة قبلة ساعات الصيام.
حيث قال فضيلة د. شوقي علام:
والمُقتَرَحُ لأهل تلك البلاد أن يسير تقدير الصوم عندهم على مواقيت مكة المكرمة، حيث إن الله قد عدَّها أمَّ القرى، والأم هي الأصل، وهي مقصودة دائمًا، ليس في القبلة فقط، بل في تقدير المواقيت إذا اختلت.
البلاد التي تصل فيها ساعات الصيام إلى ثماني عشرة ساعة يوميَّا فما يزيد تُعَدُّ علاماتُها في حالة اختلال، وقياسُ هذا الاختلال مأخوذ من الواقع؛ حيث يصعب على الإنسان صيام ثماني عشرة ساعة متواصلة ويزيد، وذلك بقول المختصين الذين يقررون أن الامتناع عن الطعام والشراب طوال هذه المدة يضر بالجسد البشري، وذلك على المعهود من أحوال البشر وتَحَمُّلِ أبدانهم، وما كان كذلك فلا يصح أن يكون مقصودًا بالتكليف شرعًا.
والمفتى به أن الصوم في هذه البلاد يكون على عدد ساعات مكة المكرمة، لأنها أمُّ القُرى، وعلى ذلك يبدأ المسلمون من أهل تلك البلاد بالصيام من وقت فجرهم المحلي ثم يتمون صومهم على عدد الساعات التي يصومها أهل مكة المكرمة في ذلك اليوم والذي يمكن معرفته عن طريق المواقع الإلكترونية، فلو كان الفجر في تلك البلاد مثلًا في الساعة الثالثة صباحًا وكان أهل مكة يصومون خمس عشرة ساعة، فإن موعد الإفطار يكون في الساعة الثامنة عشرة؛ أي السادسة بعد الظهر بتوقيت تلك البلاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم.