هل تعرفون قصة..كانت النصيحة بجمل
يحكى أن رجلا ضاقت به سبل العيش فقرر أن يسافر بحثا عن الرزق فترك بيته وأهله وسار بعيدا وقادته الخطى إلى بيت أحد التجار الذي رحب به وأكرم وفادته ولما عرف حاجته عرض عليه أن يعمل عنده فوافق الرجل على الفور وعمل عند التاجر يرعى الإبل .
يحكى أن رجلا ضاقت به سبل العيش فقرر أن يسافر بحثا عن الرزق فترك بيته وأهله وسار بعيدا وقادته الخطى إلى بيت أحد التجار الذي رحب به وأكرم وفادته ولما عرف حاجته عرض عليه أن يعمل عنده فوافق الرجل على الفور وعمل عند التاجر يرعى الإبل .
بعد عدة سنوات أشتاق فيها الرجل لبيته ورؤية أهله وأبنائه فأخبر التاجر عن رغبته في العودة الى بلده فعزّ عليه فراقه لصدقه وامانته فكافأه وأعطاه بعضا من الإبل والماشية .
سار الرجل عائدا على أهله وبعد أن قطع مسافة طويلة في الصحراء القاحلة رأى شيخا جالسا على قارعة الطريق ليس عنده شيء سوى خيمة منصوبة بجانب الطريق وعندما وصل إليه حيّاه وسأله ماذا يعمل لوحده في هذا المكان الخالي وتحت حر الشمس.
فقال له: أنا أعمل في التجارة.
فتعجب الرجل و قال له: وما هي تجارتك؟. فقال له الشيخ: أنا أبيع نصائح .
فقال الرجل: وبكم النصيحة؟!
فقال الشيخ: كل نصيحة بجمل.
فاطرق الرجل مفكرا في النصيحة وفي ثمنها الباهظ الذي عمل طويلا من أجل الحصول عليه. ولكنه في النهاية قرر ان يشتري نصيحة.
فقال له: هات لي نصيحة.
فقال الشيخ: «إذا طلع سهيل لا تأمن للسيل».
قال في نفسه: ما لي ولسهيل في هذه الصحراء الموحشة وماذا تنفعني هذه النصيحة في هذا الحر. وعندما وجد أنها لا تنفعه قال للشيخ : هات لي نصيحة أخرى وسأعطيك جملا آخر .
فقال له الشيخ : « لا تأمن لأبو عيون زرق وأسنان فُرْق ».
تأمل صاحبنا هذه النصيحة أيضا وادارها في فكره ولم يجد بها أي فائدة .
فقال للشيخ هات النصيحة الثالثة وسأعطيك جملا آخر .
فقال له : «نام على النَّدَم ولا تنام على الدم».
لم تكن النصيحة الثالثة بأفضل من سابقتيها.
ترك الرجل ذلك الشيخ وأعطاه الجمال الثلاثة وساق ما بقي معه من ابل وماشية وسار في طريقه عائدا إلى أهله. بعد عدة أيام نسي خلالها النصائح من كثرة التعب وشدة الحر .
وفي أحد الأيام أدركه المساء فوصل إلى قوم نصبوا خيامهم في قاع واد كبير فتعشى عند أحدهم وبات عنده وبينما كان يتأمل النجوم شاهد نجم سهيل فتذكر النصيحة التي قالها له الشيخ فقام سريعا وايقظ صاحب البيت وأخبره بقصة النصيحة وطلب منه أن يخبر قومه حتى يخرجوا من قاع ذلك الوادي ولكن المضيف لم يكترث له .
فقال الرجل : والله لقد اشتريت النصيحة بجمل ولن أنام في قاع هذا الوادي، فقرر أن يبيت على مكان مرتفع فأخذ ابله وماشيته وصعد الى مكان مرتفع بجانب الوادي.
وفي آخر الليل هطل المطر بشدة وجاء السيل يهدر كالرعد فهدم البيوت وشرد القوم .
وفي الصباح سار عائدا نحو أهله وبعد يومين وصل إلى بيت في الصحراء فرحب به صاحب البيت وكان رجلا نحيفا خفيف الحركة وأخذ يزيد في الترحيب به والتودد إليه حتى اوجس منه خيفة فنظر إليه وإذا به «ذو عيون زرْق وأسنان فُرْق».
فقال: آه هذا الذي اوصاني عنه الشيخ إن به نفس المواصفات لا ينقص منها شيء .
وفي الليل تظاهر الرجل بأنه يريد أن يبيت خارج البيت قريبا من ابله واغنامه وأخذ فراشه وجره في ناحية ووضع حجارة تحت اللحاف وانتحى مكانا غير بعيد يراقب منه حركات مضيفه وبعد أن أيقن المضيف أن ضيفه قد نام أخذ يقترب منه على رؤوس أصابعه حتى وصله ثم هوى عليه بسيفه بضربة شديدة ولكن الضيف كان يقف وراءه فقال له : لقد اشتريت النصيحة بجمل ثم ضربه بسيفه فقتله وساق ابله وماشيته وقفل عائدا نحو أهله.
بعد مسيرة عدة أيام وصل ليلا إلى منطقة أهله . سار ناحية بيته ودخله فوجد زوجته نائمة وبجانبها رجل فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه وأراد أن يهوي به على رؤوس الإثنين وفجأة تذكر النصيحة الثالثة التي تقول : «نام على الندم ولا تنام على الدم» فهدأ وتركهم على حالهم وخرج من البيت وعاد إلى اغنامه ونام عندها حتى الصباح .
وبعد شروق الشمس ساق ابله واغنامه واقترب من البيت فعرفه الناس ورحبوا به واستقبله أقاربه .
وقالوا له : لقد تركتنا فترة طويلة أنظر كيف كبر خلالها أبنك حتى أصبح رجلا . ونظر الرجل إلى إبنه وإذا به ذلك الشاب الذي كان ينام بالأمس بجانب زوجته فحمد الله على أن هداه إلى عدم قتلهم .
وقال في نفسه: حقا .. كل نصيحة أحسن من جمل .