عبد الرحمن حللي.. حال العالم اليوم مع فيروس كورونا أكبر شاهد على ضعف الإنسان
عبد الرحمن حللي:
كاتب وأستاذ جامعي سوري “سابق” مقيم في ألمانيا، يعمل باحثًا ومحاضرًا في مركز الدراسات الإسلامية
عبد الرحمن حللي:
كاتب وأستاذ جامعي سوري “سابق” مقيم في ألمانيا، يعمل باحثًا ومحاضرًا في مركز الدراسات الإسلامية
بجامعة فرانكفورت ضمن مشروع „LOEWE- Religiöse Positionierung -Islamische Studien“.
آراب التقت بالأستاذ عبد الرحمن حللي ودار معه اللقاء التالي والذي تحدث فيه عن الأخلاق في الدين الأسلامي:
هل الأخلاق والدين شيء واحد أم هما منفصلان؟
هذا السؤال مركب ويحتاج إلى تحليل لفهم العلاقة بين الدين والأخلاق، فمن حيث المبدأ لا يكاد يوجد دين لا تكون الأخلاق جزءًا منه أو موضوعًا له، وإن اختلفت التفاصيل في معايير الفضائل بين دين وآخر وطرق
التعبير عنها وتعليلاتها، لذا يمكن القول إن الأخلاق قدر مشترك بين الأديان لا تكاد تختلف في أصولها،
بل إن كليات الأخلاق مشترك بين الأديان ذات الأصل السماوي وبينها وبين الأديان الوضعية،
وكذلك بين المؤمنين وغير المؤمنين، والسبب في ذلك أن الأخلاق شأن فطري يدركه الإنسان بتكوينه،
لذا جاءت الأديان تعزز هذا الجانب في الإنسان.
ولو تتبعنا حيثيات إرسال الرسل عبر التاريخ كما يحكيها القرآن نجد أن أزمات أخلاقية اقتضت إرسال
الرسل، وأن خطابهم الديني لأقوامهم هو خطاب أخلاقي بالدرجة الأولى، ويتأسس على مشتركات يفهموم
نها ويعرفونها،
ثم يتدرج بتصحيح مفهومات أخلاقية تم تحريفها من قبل أقوامهم ونسبتها للدين، بل إننا نجد القرآن يجعل
الأخلاق هي غاية التشريع والشعائر الدينية، فعبارات مثل “لعلكم تتقون”، “لعلكم ترحمون” تقترن كثيرًا مع
الأحكام في القرآن، ما يعني أن الغاية مما شرعه الله من أوامر هي غاية أخلاقية، فحيث كانت أخلاق المتدين
سيئة فهذا يعني أن هناك مشكلة في فهمه لأحكام الدين التي كلف بها أو في استقامة ممارستها، وأن عليه
أن يراجع نفسه، فقد يبدو الإنسان للناس صاحب دين لكنه في واقع الأمر ذو خلق سيء، وهذا يعني أن لديه
مشكلتان، سوء الخلق وسوء فهم الدين، أو أن يكون منافقًا.
ماذا عن الواجب الأخلاقي، هل مرجعه ديني؟
هذه مسألة تمت مناقشتها قديمًا لدى الفلاسفة وعلماء الكلام المسلمين، وخلاصة المسألة: هل معرفة الإنسان
الخير والشر بعقله وفطرته، يوجب عليه فعل الخير وتجنب الشر؟ وهم متفقون أن الإنسان بعد بلوغ الرسالة
مكلف من الله بفعل الخير وتجنب الشر، لكن السؤال هنا افتراضي، وصورته في حال أن الإنسان لم تبلغه رسالة الله هل يعاقب في الآخرة لو أنه لم يلتزم بالخير وكان شريرًا؟، ذهب فريق ( كالمعتزلة) إلى أن العقل
والفطرة توجب على الإنسان فعل الخير وترك الشر وأنه الله يعاقبه لو لم يلتزم بذلك، ورأى آخرون أن العقل
والفطرة يقتضيان ذلك لكن العقاب والثواب عند الله متوقف على بلوغ رسالة من الله، فالخلاف إذا نظري، لأن
رسالات الأنبياء ختمت وتكليف الإنسان بفعل الخير وتجنب الشر قد بلغ الجميع، فالجميع ملزمون بما تقتضي
الأخلاق من فعل الفضيلة وتجنب الرذيلة، فالمؤمن لديه حافزان عقلي وديني، وغير المؤمن يشترك مع المؤمن في الحافز العقلي الفطري.
هل يمكن أن يكون الإنسان ذو خلق من غير أن يكون مؤمنًا بدين؟
الطبيعي في الإنسان أن يكون حسن الخلق قبل أن يُعَرَّف بالانتماء إلى أي دين، بل يمكن القول كما يرى المفكر المغربي طه عبد الرحمن أن “الإنسان كائن أخلاقي”، والناس تُعَرِّفُ فعل الخير بأنه عمل إنساني وضده
أن لا إنساني، فالإنسان المتزن هو الذي يحتكم إلى فطرته وعقله وضميره الأخلاقي في تعامله مع العالم من
حوله، فإذا بلغ الإنسان هذا المستوى من السمو من غير انتماء إلى دين فهو أمر طبيعي، بل غير الطبيعي أن يكون الإنسان خلاف ذلك، لكن طبيعة الإنسان تكتنفها الغرائز والرغبة باللذة والاستئثار ولو على حساب
الآخرين، لذا كان لا بد من ضوابط تذكِّره بطبيعته الأخلاقية التي نسيها، وتساعده على العودة إليها، أو تلزمه
بها، فالأديان تساعد الأشخاص في مراقبة أنفسهم وحثهم على العودة إلى ضميرهم الأخلاقي، وتذكرهم بالواجب الأخلاقي وأن التفريط فيه يستلزم جزاء أخروياً، ووضعت القوانين لتفرض على الناس الحد الأدنى
من الواجب الأخلاقي (العدالة) وحفظ حقوق الآخرين. وعليه يمكن نظرياً أن تكون هناك أخلاق من غير دين
ومن غير قانون، فيفعل الإنسان الخير لذاته على أحسن وجه وبأفضل ما يمكن، وهذا جزء من مرتبة “البر” في القرآن، لكن هذه الأخلاق تكون من الإنسان تجاه الإنسان، لكن والسؤال الذي يطرحه الدين على الإنسان،
هل من الأخلاق من أن يتنكر الإنسان لخالقه، ويتأله في الكون، وهو أضعف من أن يسيطر على محيطه المحدود، أو أن يتحكم بما يهدد مصيره (وحال العالم اليوم مع فيروس كورونا أكبر شاهد على ضعف
الإنسان)، هذا هو السؤال الجوهري الذي ينبغي أن يُناقش، فتأله الإنسان عبر التاريخ كان سببًا للفساد في الأرض والعبث بالبيئة وتدمير مستقبل الأجيال، وهذا فساد أخلاقي يمس الإنسانية جمعاء، ولا يُدرك سوء هذا
الخلق في علاقة الأفراد بعضهم ببعض، ولا يشعر به الإنسان حالًا، فالدين من شأنه أن يلعب دورًا مهمًا في
تصحيح هذا الفساد الأخلاقي الأوسع والأخطر بتنبيه الإنسان إلى مسؤوليته تجاه العالم والمستقبل، والتي تعبر عنها الأديان بواجب الإنسان نحو الله، ومراعاة “حقوق الله” والتي لا تقتصر فقط على العبادات وإنما
تشمل ما يعبر عنه في القانون “الحق العام” وعدم الفساد في الأرض، والنظر إلى العالم بمسؤولية، وهذه واجبات أخلاقية أيضًا.