تونس بين الماضي والمستقبل
يشهد العالم تحولات جيوسياسية وجيوانثروبولوجية واضحة و هذا ليس وليد الصدفه بل هو نتاج تفاعلات
بين الصيرورة التاريخية و الصيرورة الأنثروبولوجية، فتونس اليوم هي صورة تعكس نتيجة مبسطة لمفاهيم قد تبدوا معقدة.
فماهي هذه الصورة ؟ و اين يبرز عمق التحولات وما الدافع لظهورها؟ و الي أي مدى يمكن الاستفادة من ذلك؟
لعب الموقع الجغرافي لتونس دورا حيويا في كل الأبعاد .. تاريخيا و حضاريا و ابستمولوجيا و سياسيا و انثروبولوجيا …
دخلت تونس بالأحداث طوعا او قسرا فموقعها الجغرافي لا يسمح للحضارات و العصور بتجاوزها،
و قد اكتسى اهلها منذ العصور القديمة ميزة الانفتاح و التسامح نظرا لاعتيادهم بقدوم الآخر و رحيله، فكان
الانسان في هذه الجغرافيا العنصر الأكثر تفاعلا وتأثرا بهذه التحولات فقد كّون ذكاءا خاصا به وبمجتمعه و
أسس ثوابت خاصة تميزه عن غيره فأصبحت تونس فسيفساء حضارية تختزل معارف عديدة و تمتلك
خصوصية و ميزة ديناميكية ضمنت استمراريتها وإشعاعها الي اليوم.
لعب العامل السياسي الذي تأثر بجغرافيته في العصر الحديث منذ الاستقلال دورا هاما في تغير مجتمع
بالكامل، و تحريره من قيود وهمية مما جعله لصيقا اكثر بكينونته الانسانية، فبرز زعماء لعبوا دورا مهما
كفرحات حشاد وحبيب بورقيبة، فقد أرسى فرحات حشاد الاتحاد العام للعمل و كان اول من زار الامم المتحدة لتقديم مشروعه و اتى بورقيبة
بمجلة الأحوال الشخصية التي ضمنت للتونسين حقوقهم رغم بعض الإخفاقات فيها
وقد طور كلا الزعيمين التعليم الزيتوني والتعليم الاستعماري و استفادوا من التجربتين بخلق كفاءات أدارت
الدولة و أرست منظومة جديدة بأيادي تونسية.
الصورة التي خرجت بها تونس للعالم في 2011 ليست فرقعة إعلامية او موقف عابر بل انها حركة لاوعي
شعبي جماعي تشكل بالشعور وتوحد بالعلم فتحرك في نفس اللحظة لان ذلك الشعور اصبح وعيا جماعيا
فاعلا و تمخض عن مسؤولية و نضج اتسم بها الشعب و الدليل ما وصلت اليه تطورات التجربة التونسية و ما
بلغته اليوم بعد ثماني سنوات، اذ تبلورت الصورة جليا حيث كانت العوامل التاريخية صمام امان لهذه التجربة
لانه مجتمع كان يشبه نفسه والتصق بمفاهيمه و بحث عن ذاته في كينونته التي غذتها جغرافيته المنفتحة على ضفتي المتوسط و على قارات العالم، كانت تلك هي الدوافع وراء تونس اليوم.
على ارض الواقع ككل العالم هناك رهانات حقيقية تواجها تونس و صعوبات خانقة تشهدها لكن في ظل المشهد العالمي يعتبر ذلك طبيعيا ليبقى الذكاء المجتمعي المشترك هو المحرك الأساسي للتجربة التونسية ،
فالحرية والعلم والايمان والانفتاح على الآخر كلها مفاهيم تمتع بها التونسيون لكن بقيت مطالبه هي الأمانة والصدق لحفظ الكرامة و لا يمكن الاستفادة من هذه الصورة الا اذا توغلنا في التفاصيل.