مقهى الريش أرستقراطية مصر و قبلة المثقفين
كانت لي جوله في وسط “القاهره ” في زيارتي الاخيره قبل اسبوعين وبما اني اعشق الادب والادباء والشعراء فقد استهواني زياره مقهى ريش وسط القاهرة عند اول دخولي شممت رائحه الماضي العتيق.
كانت لي جوله في وسط “القاهره ” في زيارتي الاخيره قبل اسبوعين وبما اني اعشق الادب والادباء والشعراء فقد استهواني زياره مقهى ريش وسط القاهرة عند اول دخولي شممت رائحه الماضي العتيق والبصمه المميزه لكبارات البلد وساسه العرب ومفكريهم والمسؤولين و من خلال الاثاث القديم في القسم المستطيل الايسر الاول من المقهى الذي يحوي الطاولات والكراسي “صفين” اما القسم الاخر الملاصق شاهدت صور كل المبدعين وصفوه الرجال معلقه على الجدران وفي الركن المنزوي طابعه بحجم كبير جدا كانت قد شهدت عصور غابره.
تأسس عام 1908 على أنقاض قصر “محمد على”.. “عباس”: شهد على الحرب العالمية الأولى وثورة 1919 لم يكن ريش يوماً ما مجرد مقهى ومطعم شهير في شارع طلعت حرب أو سليمان باشا سابقاً، لكنه كان ومازال الواحة التي يرتادها أهل الفن من كتاب وشعراء وتشكليين سينمائيين ومسرحيين ووزراء ورجال دولة و معارضين و مفكرين و أساتذة في مختلف الفنون و العلوم، ففيه جلست الاديبه مي زياده و طه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وصلاح عبد الصبور ونجيب سرور وأحمد أمين وعبد الوهاب المسيري وأمل دنقل وعبد الرحمن الأبنودي ومحمود دياب وعبد الوهاب البياتي، وفي بعض أركانه جلس عبد الناصر وقحطان الشعبي وعب الفتاح أسماعيل وصدام حسين والأخضر الإبراهيمي، وفيه غنت أم كلثوم وسيد درويش وصالح عبد الحي، هنا جلس يوسف إدريس، وأمل دنقل، ويحيى الطاهر عبدالله، وصلاح جاهين، وثروت أباظة، وكمال الملاخ، والغيطانى والقعيد، وكتب نجيب سرور عن عوالم المقهى فى ديوانه الشهير “بروتوكولات حكماء ريش ” هنا التقى محمد عبدالقدوس، وروز اليوسف، وتوجا قصة حبهما بالزواج، وكتب هنا، أيضًا، أحمد فؤاد نجم، قصيدة شعبية ذائعة الصيت وصف فيها المقهى ورواده.
بعد رحيل مجدى عبدالملاك أول مصرى يمتلك المكان، لايزال ريش يستقبل رواده ومنه خرجت مظاهرات وأقيمت وقفات وكتبت بيانات، وفي مخزنه القديم كتبت منشورات وخرجت أسرار ، فكان ريش ومازال دوحة النخب من كل الأجيال وتؤكد الوثائق أنه أنشئ في نهاية القرن التاسع عشر ، ولكن ورثة المقهى وأصحابه الحاليين يقولون إن النشاط الفعلي بدأ في عام 1916م ، وكان للمقهى حديقة واسعة تمتد إلى ميدان سليمان باشا “طلعت حرب حاليا”.
وفي الحديقة ذاتها قدمت أم كلثوم أول حفل لها في القاهرة . كما قدمت الممثلة الكبيرة فاطمة اليوسف “زور اليوسف” مسرحيتها “هل تحبين إميلي” على هذا المسرح.
كان أول من أسس المقهى رجل أعمال نمساوي هو بيرنارد ستينبرج ، وكان ذلك في 26 أكتوبر عام 1908 ، ثم باعه بعد عام تقريبا لرجل أعمال فرنسي هو هنري ريسن ، الذي أطلق عليه اسم “ريش” وكان على ما يبدو تسهيلا وتبسيطا لاسم عائلته “ريسن” ولكنه قرر السفر إلى فرنسا بعد أن استدعي للخدمة العسكرية أثناء الحرب العالمية الأولى ، فكان أن باع المقهى لخواجه يوناني كان مديرا لكازينو في الأزبكية هو ميشيل بوليتس. وكان ذلك في مايو عام 1916م ، وظل بوليتس مالكا لريش حتى عام 1932 م عندما اشتراه يوناني آخر هو مانولاكس ، وبعد 10 سنوات وفي عام 1942 م انتقلت ملكية المكان إلى يوناني ثالث هو جورج إيفتانوس وسيلي ، وفي عام 1960م انتقلت الملكية إلى عبد الملاك خليل ، وهو صعيدي مصري عرف قيمة المكان وحافظ عليه، إلى أن ورثه عنه أبناؤه .. أصحاب المقهى الحاليين.
وفي العشرينيات من هذا القرن عرف “مقهى ريش” أهمية استثنائية ربطته بالعمل السياسي وظلت مرافقة له حين كان محط اهتمام النخبة المصرية التي تشكلت حول قيادة الزعيم سعد زغلول وعملت على مقاومة الاحتلال ، ويحرص مجدي عبد الملاك صاحب المقهى على تأكيد الدور الذي لعبه المقهى في ثورة 1919 م بوصفه أحد مقار رجال الثورة.
بل ويؤكد أنه في أثناء عمليات ترميم المقهى التي جرت في التسعينيات جرى اكتشاف المطبعة التي كان يستخدمها الثوار لطبع منشوراتهم السرية المناهضة للاحتلال ، كما جرى اكتشاف ممرات سرية في “بدروم المقهى” استخدمها الثوار لتضليل البوليس . ويقول المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه “تاريخ مصر القومي .. 1914 -1922” : إن المقهى كان مكان تجمع الأفندية.. أي الطبعة الوسطى التي بدأت في الظهور، وكانت خطة الثورة .. بل وبعض التحركات السياسية تتردد بين روادها.
وفي المقهى ذاته جلس جمال عبد الناصر يعد لدوره في انقلاب يوليو، كما كان “ريش” جزءا من حياة شاب عراقي جاء يدرس في القاهرة وهو الرئيس صدام حسين . وكان يرأس الجلسة الذي يتجمع فيها اللاجئون السياسيون مثل الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي ،والشاعر السوداني محمد الفيتوري ، وعبد الفتاح إسماعيل رئيس جمهورية اليمن الشعبية السابق.
ورغم كل هذه الحكايات فإن المقهى أصبح في الذاكرة الإبداعية المصرية أقرب ما يكون إلى مرآة تظهر فيها رموز ثقافية ، جعلت من “ريش” محطة أساسية لمواهب مصر الإبداعية منذ منتصف الأربعينيات وحتى منتصف السبعينيات ، وهي حقيقة يتأكد منها زائر ريش وهو يرى على جدرانها صورا للرموز التي ارتادت المقهى، الذي كان أيضا مكانا لتفريخ العديد من المشروعات الأدبية والفكرية ، ففيها ولدت فكرة إصدار مجلة “الكاتب المصري” التي تولى رئاسة تحريرها الدكتور طه حسين، ومجلة “الثقافة الجديدة” التي رأس تحريرها رمسيس يونان، ومجلة “جاليري 68” التي كانت الخطوة الأهم في إطلاق مواهب جيل الستينيات.
نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم في ضيافة ريش.
في عام 1963م كان نجيب محفوظ يعقد ندوة أسبوعية صباح كل يوم جمعة في “مقهى ريش”. ومنذ ذلك الوقت أصبح المقهى مقصدا لجيل جديد من الأدباء والمثقفين منهم: صلاح جاهين ، وعبد الرحمن الأبنودي ، ورشدي أباظة ، وأحمد رمزي، وعباس الأسواني ، ونجيب سرور الذي كتب عنها ديوانا كاملا يحمل عنوان “بروتوكلات حكماء ريش ، كما كتب أحمد فؤاد نجم هجائية شهيرة في أنماط المثقفين الذين كانوا يرتادون ريش في السبعينيات قائلا: يعيش المثقف على مقهى ريش / محفلط مزفلط كثير الكلام ، ورغم هجائية نجم فإن التاريخ يقول إن مثقفي ريش هم الذين بادروا بصياغة بيان الأدباء المتضامين مع الحركة الطلابية عام 1972م ، والذي دعا لإنهاء حالة اللاحرب واللاسلم واشتهر باسم “بيان الحكيم” وهم أيضا الذين ثاروا وتظاهروا احتجاجا على اغتيال غسان كنفاني.
ومن ريش أيضا بدأت ظاهرة مجلات “الماستر” التي عبرت عن رفض أدباء السبعينيات للسياسة الثقافية الرسمية في ذلك الوقت ، وبفضل هذه المجلات ظهرت ونضجت مواهب كثيرة احتلت صدارة المشهد الأدبي لسنوات طويلة ، ولأن الزمن يدور سريعا.. فإنك اليوم إذا مررت بهذا المقهى العريق في أي صباح ستجد مقاعده خاوية إلا من أحد أصحاب المقهى وإلى جواره صديق يتسامران ، ورجل أسمر بجلباب بلدي يقف على باب المقهى في انتظار من يجيء، وفي المساء ستجد بعض الطاولات مشغولة لكن أغلب روادها من الأجانب الذين يتنسمون في هذا المكان رائحة القاهرة القديمة، أما الندوات الأدبية فقد مضى زمانها واقتصر الأمر على بعض حفلات التوقيع التي تقيمها الجامعة الأمريكية إصدارات قسم النشر بها.
حبيبي هذا المقال جيد جدا