جامعتي الفرنسية ولغتي العربية!
لم يكن أمامي سوى الإثبات لنفسي بأني استطيع أن أكمل دراستي فَكان هذا حافزي الوحيد. رغم كل العوائق التي واجهتني والمحطات التي توقفت عندها، كنت أخطو خطوة و أرجع بخطوتين إلى الوراء.
ضحى الأحمد– فرنسا
التعليم ليس الإستعداد للحياة، بل إنه الحياة ذاتها، بداخلنا أمل لنحيي المستقبل الذي قد مات في بلادنا، نبحث عن فسحة أمل تأخذنا إلى الصواب بعدما تُهنا في طرقات اللجوء والخوف من المجهول، التحديات في المهجر كثيرة منها: اللغة لم يكن تعلّمها امرا سهلا في المهجر!
فالبداية كانت بتعلم اللغة، يؤسفني قول بأنها كانت ولا زالت هي العائق الوحيد الذي واجهته منذ قدومي إلى هنا فَاللغة هي المفتاح لجميع الأبواب. بدأت بالتعلّم لوحدي عن طريق متابعة دروس على “اليوتيوب” لكسر حاجز اللغة الجديدة.
لا أنكر بأنها صعبة في بداية الأمر بل كانت مستحيلة، لكني تجاوزتها بعد فترة وجيزة ، إصراري لإكمال ما جئت لبنائه كان سبب في تقدمي بها، إلا أنني أعرف كثيراً من الأصدقاء لم يستطيعوا كسر هذا الحاجز ليس لأنهم لا يملكون الإرادة، بل لأنهم لم ينسفوا حاجز الخوف ، أو ربما لأن ذكرياتهم لازلت تأسرهم و
مخيلتهم تعود بهم إلى حياتهم في بلدانهم، السوريون لديهم كثير من الهموم و الضغوط التي ما زالت ترافق البعض حتى في المهجر، و كثيرا منهم مازالوا عاجزين منذ قدومهم عن مسح غبار الذكريات المؤلمة عن أكتافهم والبدء من جديد ، بمستقبل خالٍ من اي مأساة سابقة ، علينا ألا ننكر التحديات التي صادفتني بل
وصادفت الجميع. بدأت بالخطوة الأولى، كونت صداقات مع أبناء هذا البلد للتقرب قليلاً من المجتمع الجديد ولكي أستمع للفظ اللغة بشكلها الصحيح ومن ثم دخلت إلى الجامعة لأتابع تعليمي والدخول إلى الفرع الجامعي الذي كنت أطمح بالوصول إليه. لا زلت أذكر اليوم الأول لي في الجامعة وكأنه اليوم، دخلت إلى القاعة وأنا بكامل طاقتي وإندفاعي لحضور محاضرتي في لغة جديدة مع طلاب منهم من أصغر مني
بالعمر و هذا كان عائقاً أيضا كوني سأكمل دراستي مع طلاب أصغر مني بسنتين أو ثلاثة، كان بالنسبة لي أمراً لا يقل صعوبةً عن اللغة نفسها، كنت كَطفلة في الثالثة من عمرها لا بل أقل من الثالثة لاأفهم حرفاً مما يدور حولي، شعرت بألم في الرأس، لا توجد لدي طاقة للمتابعة ، فكل ما أردته هو الهروب من هذا المكان
فقط. لم أستطيع إخفاء دموعي، بكيت ليس من صعوبة المادة بل لشعوري بأن أحلامي كلها تحطمت قبل أن تولد بعد، عدت إلى منزلي منهارة تماما و أخبرت والدتي بأنني لا أريد أن أكمل تعليمي. أعترف بأنني في أول يوم في الجامعة قد انهزمت في معركةٍ لم تكن قد بدأت بعد ، فهي معركة إثبات الذات أخذت قسط من الراحة وعدت أستجمع قواي لأكمل و أعلن مواجهتي لكل مخاوفي و كان حليفي الوحيد الصبر، الصبر من أجل مستقبلي.
الآن قد أصبحت أقوى ، بدأت أجتاز الكثير من المصاعب بحبوب روحية إسمها “الارادة”، لطالما كنت اشعر بالفشل كلما علمتُ بأن رفاقي قد سبقوني بمراحل، الا إنني تحررت من حاجز من مقارنة نفسي برفاقي في سورية الذين لم يبقى لديهم سوى سنة واحدة للتخرج و بعضهم الآخر لم يكملوا تعليمهم للأسف بسبب هذا الدمار.
لم يكن أمامي سوى الإثبات لنفسي بأني استطيع أن أكمل دراستي فَكان هذا حافزي الوحيد، رغم كل العوائق التي واجهتني والمحطات التي توقفت عندها، كنت أخطو خطوة و أرجع بخطوتين إلى الوراء.
لم يكن صعود السلم سهلاً ابداً و لم أكن خجولة في طلب المحاضرات، فالكثير من زملائي قاموا بمساعدتي في كتابتها و تبسيط النتائج وتلخيص ماهو أكثر أهمية، كانوا متعاونين جدا، لقد أحبوا التحدي الذي في عيوني. نحن اليوم في بلاد تمتزج بالثقافات المختلفة و المتنوعة حتى بالجامعة يوجد الصيني والعربي والأمريكي وهذا ماخفف معاناتي قليلا.
” قم بواجبك وأكثر قليلاً وسيأتي المستقبل من تلقاء نفسه ” الأمر كان اشبه بمعركة حقيقية لإثبات الذات و بأننا نستطيع أن نبني مستقبلاً رغم كل الصعوبات والمواجهات، فكلها كانت سهلة امام الألف الكيلومترات التي خطوناها للوصول إلى هنا من أجل بناء مستقبلاً كان مجهول والأن قد إتضحت معالمه ومن أجل البحث عن حياة كانت من ضمن أحلامنا في بلادنا التي أصبحت منسية.