الأمهات بالمهجر بين مطرقة اللجوء و سندان القوانين
“ماما..أمي..يامو” مفردات جلّ ما يقال عنها أنها وطن، أنها أمان و سند ظهر نختبأ خلفه، حين نخاف و حضن ننام بداخله حين نرجو السكينة ، الأمومة لا تحتاج ليوم يَحتفل بها أو تاريخ يُذكرنا
إعداد: سلمى كنفاني
“ماما..أمي..يامو” مفردات جلّ ما يقال عنها أنها وطن، أنها أمان و سند ظهر نختبئ خلفه حين نخاف، و حضن ننام بداخله حين نرجو السكينة، الأمومة لا تحتاج ليوم يَحتفل بها أو تاريخ يُذكرنا، فكل الأيام هي و كل التواريخ تقف مع عقارب الساعة حين ترتحل الأم لعالم الخلود و تصبح كل الأشياء يتيمة بدونها، حين نقول أم حتما نعني لمة العائلة على مائدة الطعام مع الكثير من الحب و اليد التي تمسح عنا جميع الخيبات، بالمختصر هي مولد الطاقة الإيجابية الذي لا أحد يساويه ولا يعطي مثله.
في يوم الأم المبجل علينا أن نتذكر الأمهات المغتربات و المهاجرات اللواتي هجرن أمهاتهن في أوطانهن ليمارسن أمومتهن دون مساعدة ، و ما أكثر الأمهات الصغيرات في المنفى اللواتي يحتجن فقط ليد عون أو نصيحة من أمهاتهن كي يتعلمن فن التربية و الإحتواء في بلاد تحول الجميع فيها إلى محركات إنتاج لا تعرف الهوادة ، فنصف الأحلام تموت أمام تلك العراقيل و النصف الآخر يصر على الحياة. فرق كبير بين الأمومة في الوطن العربي و في بلاد الإغتراب ،ففي أوطاننا منذ نعومة أظفارنا ننشأ على قواعد صارمة يتخللها التقاليد و الأعراف و إيانا أن نخالفها ، و ما بين الجد و التوبيخ حتماً سنجد عطف الأم دوماً مهما قست علينا.
من منا لا يذكر تلك النظرة الحادة التي توجهها له أمه حين تكون محاطة بالضيوف و عاجزة عن التصرف، تلك النظرة كانت تعني الكثير و ربما تعني “الضرب التأديبي” الذي هو موجود في مجتمعنا و الأغلبية يستخدمه بهدف تعديل سلوك اطفالهم لنحو أفضل . في بلداننا قبل الحرب كان هناك اكتفاء في الدخل ،مما جعل بعض النساء غير ملزمات بالعمل الى جانب الرجل، فكانت تمارس أمومتها في المنزل ما بين تنظيف و تربية و اهتمام و زيارة الأصدقاء أو الجيران ، و لكن الوضع في الغربة يختلف تماما و هذا ما استنتجته أنا و صديقاتي اللواتي ناقشوني ببعض الأمور التي قيدت دورهن كأمهات . أول العوائق التي تواجههن هي الأدوار و الواجبات المحتم عليهن تنفيذها، كالتزامهن بتعلم اللغة و قضاء ساعات طويلة في المدرسة و أيضا إلحاقهن بمدارس تعليمية مهنية لتأهيلهن لخوض غمار العمل و الإنتاج و كثرة المواعيد التي ترسلها مراكز اللجوء و الرعاية العائلية “السوسيال” و المدرسة مما جعلهن في سباق مع واجبهن المدرسي و المنزلي و أولادهن و أيضا أزواجهن ، فبعض الأزواج يبدون امتعاضهم من ذهاب زوجاتهم للمدرسة فلكل منهم بيئة و تقليد قد تربى عليها و أمام تلك القوانين الإلزامية وقفوا مكتوفي الأيدي، فالبعض يحاول مجارات التيار و البعض يحاول مواجهته و هذا ما نتج عنه خلافات عائلية أودى بعضها للطلاق. الأمهات بالمهجر أصبحن تحت مطرقة اللجوء من الحرب و سندان القوانين التي تُحجم دورها ، فالقوانين هنا اختلفت تماما و هذا ما جعل صديقتي ن.س تبدي امتعاضها قائلة ” أنا اشعر بتحجيم لدوري هنا كأم فالمعلمة في مدرسة إبني تتدخل ببعض الأمور الخاصة و هذا ما يجعلني أشعر بأن أمومتي قدانتهكت ” فاليوم أنا أمام صراع مع إبني الذي يتم تلقينه دروس عن حقوقه و كيف يمكنه تحصيلها و كيف يمكنه الإعتراض الذي ربما يصل للشكوى علينا في مركز السوسيال ” مركز حماية الأطفال”. اليوم أحاول جاهدة إحتواء إبني و إحاطته بالثقة كي يكون صديقي الذي يروي لي عن كل ما يجري معه .
إما “س.د” كان لها تجربة مأساوية مع أطفالها ،ففي أحد الأيام ذهبت إبنتيها في نشاط سباحة مدرسي و عندما كانتا تبدلان ملابسهما في الغرفة المخصصة لذلك ،دخلت المشرفة و تفحصت أجسادهن و تبين وجود بقع تدل على أنهما تعرضتا للضرب و أُحيلت س.د للتحقيق و بعد الفحص الطبي للطفلتين و بعد حرب مع المحكمة تم سحبهما من الأم و إرسالهم لدار رعاية خاص بالأطفال، نعم أشعر بالآسى لما حدث معها و أعتقد أنها قد بالغت بالضرب كما قالت لي أيضاً. الكثير من الأمور تحتاج للإعتدال و العقلانية هنا في بلاد لا تعترف بالمشاعر و كل ما يحكمها هو القانون.
تناضل نجلا لإبقاء إبنها الوحيد تحت كنف أمومتها فهي تعيش خلاف كبير مع طليقها الذي لا يكف عن الهجوم عليها كلما لمحها في الشارع أو الباص ، موجها لها اللكمات على وجهها و التي إنتهت بتكسير عدد من أسنانها و عندما لجأت للقضاء فورا تم التدخل من قبل”السوسيال” لينظموا رؤية الأب لإبنه تحديد عدد الايام المسموح بها . هي تشعر بالخوف من كل شيء فالعنف الأسري في بلاد المهجر له قوانين صارمة مما أجبرها على تحمل الكثير من التهديدات و الإعتداءات كي تحافظ على حق الحضانة لإبنها.
نحن اليوم أمام عدة عوائق و أولها عدم وجود الأهل الذين يلعبون دورا كبيرا و إيجابيا في حل بعض المشاكل العائلية. الكثير من الأمهات يسعين كي ينجحن في أداء أدوارهن بشكل جيد و هذا ما أثبتته الكثيرات اللواتي تعلمن اللغة و خضن غمار العمل مع نجاحهن في أدائهن الأسري الرائع ، متحدين كل العراقيل ليثبتن بأن الأنثى هي الحياة و من رحمها يولد الرجال. دامت أمومتكن بخير و أطال الله في أعمار أمهاتكم ، و رحم قلوب الأمهات اللواتي فقدن أبنائهن في الحرب، فالأمومة شيء عظيم لا تعبر عنه كل الكلمات ، بالفطرة تُخلق البنات أمهات ،فمن صغرهن يعشقن الألعاب و يمارسن امومتهن بامتياز .