هل يقاس حجم الدولة من خلال مثقفيها الموالين والمعارضين لها؟
في هذه المقالة سأقوم بقراءة نقدية لمفهوم الدولة الحديثة من خلال حجم رعايتها للمثقف الموالي الخانع لها في مقابل حجم رعايتها للمثقف الموالي الناقد لها.
في هذه المقالة سأقوم بقراءة نقدية لمفهوم الدولة الحديثة من خلال حجم رعايتها للمثقف الموالي الخانع لها في مقابل حجم رعايتها للمثقف المعارض الناقد لها.
ومن ثم سأقوم بتحليل مجال التنافس بين المثقف الخانع والمثقف الناقد على صناعة الإذعان لسيادة الدولة من خلال صناعة سردية التسليم لسيادة الدولة بناء على مفهومين مختلفين
و سأركز في بحثي هذا على أفكار المفكر الإيطالي أنطوني غرامشي (و. 1891 ت. 1937). فهو من ناحية كان يعمل من خلال أروقة الدولة. حيث أن غرامشي كان برلماني (عضو في البرلمان عن دائرة فينيتو الإنتخابية) في ظل رئاسة موسيليني للوزراء (حاكم إيطاليا ما بين 1922 و1943) على المملكة الإيطالية (تحولت الى جمهورية في عام 1946). وهو من ناحية كان ناقدا للدولة.
حضر في فكر أنطوني غرامشي تميزاته لأنواع المثقفين ولكن لم يتم معالجة أفكاره بشكل يناسب مفهومه لبزوغ “الدولة الحديثة”. امتازت أفكار غرامشي بأنه تطرق الى فهم الدولة “الحديثة” من خلال إتقانها توظيف المثقفين لصناعة سردية “المسلمات” المتعالية، تلك المادة الخام التي تصنع منها أيدولوجيات الهيمنات و الهيمنات المقابلة.
رؤية أطروحة غرامشي ميّزت الدولة الحديثة كدولة أبدعت في أنتاج هيمنة لا-إكراهية عبر المجتمعات المدنية الخادمة لها. ففي هذا الإطار استطاع غرامشي إبصار أهم استراتيجية تسمح بتحول الدول من مجرد دول سياسية إكراهية لا تقوم هيمنتها إلا على إكراه الناس من خلال السلاح إلى دول حديثة وسّعت مفهوم هيمنتها من خلال إشراك ثقافة لا-إكراهية مدنيّة لتلعب الدور الأهم لاستتباب سيادة الدولة.
شخّص غرامشي تواجد ثلاثة أنواع من المثقفين الفاعلين في المجتمع. مثقف الدولة الخانع المبرر لكل أفعالها، مثقف الدولة الناقد الناصح الذي يعمل من خلال الدولة، مثقف المعارضة الناصح الذي يعمل من خارج نظام الحكم.
مشكلة غرامشي لم تكن مع الدولة الحديثة بل مع تلك الدولة الحديثة تحديدا من خلال تجربته مع الدولة الإيطالية الفاشستية التي تُشَيّد سيادتها المدنية فوق هياكل خطابية (أيديولوجية) يساهم ببثّها طاقم من مثقفين خانعين لا يسعون الى تحقيق العدالة الاجتماعية.
فهذا النوع من المثقفين المواليين وغير الناقدين يرَوّجون لخطوط فكرية تجتهد على تكرير صيغ كلامية مستوحاه من سردية “المسلمات” لتعيد إنتاج صور من تلك المسلمات على مسامع جماهير الدولة الحديثة.
كما فطن غرامشي أن مثقفي الدولة الحديثة الخانعون يقحمون مسلمات الخنوع بشكل غير نقدي للدولة في محتويات كراسات المدارس والمدارس و الكنائس (المساجد) بل حتى عند انتقاء ذلك القس الذي يردد تلك مسلمات التي تناسب المثقف الخانع لبناء الدولة الحديثة.
فلا تجد في هذا النوع من الدولة الحديثة سوى ذلك القس الذي يدعو، على مسمع من المصلين، الرب لكي يرضى على الدولة نتيجة كرمها بتبرعها للكنيسة ولمساعداتها المالية لإعطائها لفقراء الكنيسة.
هكذا يتحول رضا الناس على مثل تلك الدولة الحديثة الى جزء من مسلمات غير قابلة للنقد لدى الجماهير المستهلكة لتلك الخطابات (أيدولوجيات) التي يبثها مثقفي الدولة الخانعين لها.
في تلك الفترة كان موسيليني يعتمد على كم هائل من مثقفي جماعته الفاشستية ليقوموا بترديد خطابات وأيديولوجيات تصنع مسلمات نظامه في وعي الناس بشكل عاطفي وغير نقدي. مسلمات تقول أن كل شيء تمام، وأن العمل على خير ما يرام، ومن أن نظام موسيليني يحقق الرفاهية للجميع.
في حين كان هدف غرامشي هو خلق وعي نقدي بين رجال الدولة يهدف الى إيجاد حلول عميقة لمعالجة معاناة الشعب الإيطالي الذي كان، حينها، يعاني من بطالة متفشية وضنك المعيشة في مجتمع إقطاعي لم ينتقل بعد الى مجتمع صناعي.
كما كان هدف غرامشي خلق وعي أكبر لدى جماهير الدولة من أجل أن يمارسوا عملية نقدية لأهمية مراجعة نمط تقبلهم غير النقدي لسرديات الدولة الكبرى “المسلمات”.
لذلك نادى غرامشي بأهمية دور المثقف الناصح الناقد سواء الذي يعمل من داخل أروقة الدولة أو من خارجها.
لقد إنتبه غرامشي أن المجتمع ليس مكون من كتلة صلبة مصنوع من مكون متجانس. غرامشي فطن أن المجتمع يتكون من أكثر من جماعة. كما فطن أن لكل جماعة مثقفيها الذين يفهمون ايدولوجيات الجماعة ويفهمون كيف يصيغون خطاباتها.
لقد وضع غرامشي هدفين رئيسين للمثقف العضوي الفاعل في الجماعة. الهدف الأول هو صناعة سردية لمُسَلّمة جديدة غير تلك المسلمة التي صنعها المثقف الخانع والتي ترعاها الدولة. مسلمة تؤمن بتوفير العدالة لا فقط للجماعة التي ينتمي اليها المثقف بل لكل الجماعات.
كما ناشد غرامشي المثقف على العمل الجاد من أجل تذويب الإختلافات الثقافية بين أتباع الجماعة التي ينتمي اليها المثقف من أجل إنتاج جماعة متجانسة في قيمها وقناعاتها. فلو قام كل مثقف بإذابة الإختلافات الثقافية الصغرى بين أفراد جماعته لتَنَقّى المجتمع من شوائب الإختلافات الثقافية الكبرى.
عليه فإن غرامشي وهو يعيش في أجواء الدولة الحديثة أسس لمشروعه والذي يمكن اختصاره بأنه
مشروع يشجع المثقف من التحرك في الفضاء اللا-إكراهي، في فضاء المجتمع المدني من أجل تشييد عدة صيغ لمسلمات لأكثر من جماعة واحدة. مسلمات تتقاطع جميعها على قيم عداليّة تتطلع الى ضمان كرامة كافة الجماعات المكونة للمجتمع.
غرامشي رفض أن تستغل الدولة الأسلوب الإكراهي لمواجهة الجماعات كما رفض أن يستخدم المثقف الأسلوب الإكراهي لمواجهة الدولة. بل أطّر حدود ومساحة ومواضيع الصراع ليكون بين مثقفي الدولة الخانعين لها وبين مثقفي الدولة الناصحين لها.
كما جعل مقاصد الصراع الثقافي حول إنتاج “المسلمات”. فمثل ما أن الدولة تنتج وتعاود إنتاج من خلال مثقفيها الخانعين لها الوعي المسلماتي بين أفراد المجتمع. وعي يتعاطف مع الدولة ويقدم لها الأعذار ويسمح بتجاهل مساوئ أدائها وتقصيرها، فإن غرامشي يقول أنه على مثقفي الدولة الناصحين لها إنتاج مسلمات أخرى.
مسلمات تكون مسلماتها قائمة على إحداث حوارات جدلية محاسبيّة تدقق في تقصير الدولة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد لفت انتباهي مصطلح المثقف الموالي الذي يتجلى كثيرا اليوم في اعلامنا لعل اهم مثال الاعلام المصري الذي يحوي كثيرا من المثقفين المتوزيع على على جميع القنوات والذين يقدمون محتوا مواليا للسلطة الحاكمة الى درجة تاليه الحاكم احيانا وكما بين الكاتب بحث غرامشي عن بديل لهذه الفئة وهو مثقف لا اكراهي متقبل للراي الاخر ناشر للفكر والعدالة لحفظ كرامة الانسان .اقول ان دور المثقف اليوم هو نشر الثقافة والحقيقة وتنمية الثقافة عند الافراد ليس المثقف كما يعتقد عن البعض هو مطالعة كمية كبيرة من الكتب وليس دور المثقف بالضبط عداوة السلطة وليس موالاتها المهم نشر الحقيقة في اطار الثقافة
مقاله قيمه وممتازة كلما اعدت قراءة سطورها تتجدد الرؤيا الذهنية لفهم ابعاد المقالة ….
عنوان المقالة عنوان لافت جدا وذات حيوية تجعل منه امكانية إسقاطه ع كل دولة ومعرفة نمطيات اهتمامها واولوياتها وكيفية تيسير كل بلد واعتماده ع من يعين فكر المجتمعات ام يغذيها بفوضى الاعلام وكما وصِف بالمثقف الخانع والموالي …فتركيز هذه المقاله ع واقعنا العربي سيخرج لنا المكنونات التي اشارت اليها المقالة فالمثقف والخانع والموالي عندنا يتمثل في المرجعيات الدينية فقد كانت ومازالت الذراع الأساسي في اعطاء وجاهه للحاكم او النظام المختار ليتفاجيء فيما بعد به انه انحرف عن الجادة الظاهرية التي فرح بها الناس وماهو الا قوى اخرى استبداديه ….
غرامشي حاول بث الحياة ماامكن في نظام ميت قائم ع القهر من خلال توعية رجال الدولة بصنع مسلمات الوعي والمسؤوليه التي تبث روح الوعي في المثقفين بأن يقوموا بعملهم بكل عدالة وحفظ الحقوق بمعنى انه لايمكن تغيير النظام ولكن تصويب جهته لأفضل مايمكن عن طريق مستشارين ناقدين وجماهير ناقدة لا تسكت عن واقعها وبدعم من المفكررين ….هذا كان طموح غرامشي لكن اليوم الأستبداد لا يخص دولة عن دولة بل الاستبداد أصبح كغلاف يحيطنا وهناك داعمين له تفوق ارادة كل حر متطلع لعيش حياة كريمة تضمن الحقوق والواجبات واليات تبني المجتمع رغم سياسة النظام المستبد او ع مايبدو طموحات غرامشي تكاد تكون اتفاقية صريحه بين النظام المستبد وطموح المثقفين الناقدين وهي بأن لكم الحكم والسيادة ودعونا نعيش بما يضمن حرية العقل والفكر والخير الذي يخدم الوطن مهما كان النظام ….
وفقكم الله استاذنا الفاضل