سلفيات في الميزان
مشكلة السلفية أن السلفية الإفنائية خطفت الأضواء حتى يكاد أغلب السلفية التوهم من أنه لا توجد سلفية سوى تلك الإفنائية المتأزمة والأسوأ عندما يتوهم الشاب أنه لا خلاص للإنسان وعتق من النيران سوى باعتناقها. فهل هناك من طريق إلى أنسنة هذا الفصيل السلفي الإفنائي؟
سلفية أبو الفرج بن الجوزي
سلفية أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري
سلفية ابن تيمية
سلفية ابن عربي المتصوف
مشكلة السلفية أن السلفية الإفنائية خطفت الأضواء حتى يكاد أغلب السلفية التوهم من أنه لا توجد سلفية سوى تلك الإفنائية المتأزمة والأسوأ عندما يتوهم الشاب أنه لا خلاص للإنسان وعتق من النيران سوى باعتناقها. فهل هناك من طريق إلى أنسنة هذا الفصيل السلفي الإفنائي؟
من السلفين الذين تتجاهلهم الأذرع الإعلامية الدينية هو أبو الفرج بن الجوزي القرشي البغدادي وهو فقيه حنبلي محدث ومؤرخ ومتكلم (510هـ – 597 هـ). ما يهمنا أن أبو الفرج هو أول سلفي كتب عن شخصية متصوفة وعن التصوف في كتاب بعنوان: درر الجواهر من كلام الشيخ عبد القادر الجيلاني.
موضوع الكتاب هو الشيخ عبد القادر الجيلاني أو الكيلاني (470 هـ – 561 هـ) وهو متصوف مشهور جدا وتنسب الطريقة الصوفية المشهورة بالقادرية إليه. بهذا العمل الكتابي نسج السلفي الحنبلي أبو الفرج بن الجوزي مبكرا مجدّلة عقدت بين ضفيرة سلفية مع أخرى متصوفة بحيث لا يمكن فلّها.
وكان هذا الكتاب محاولة جادة من ابن الجوزي في مواجة تشكل السلفية الإفنائية. ففي تقديري توجس ابن الجوزي من حجم العبث الفكري الإفنائي الذي أطلقة أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري (233 – 329 هـ) بسلوكياته وكتاباته المتأزمة باسم الحنبلية والسلفية. على الرغم من أن ابن الجوزي نجى من إخفاق البربهاري في استيعاب المشيئة القرآنية المطلقة الواردة في سورة الكهف والتي تجعل مشيئة الكفر أو الإيمان بيد الإنسان والتي تؤكد أنه لا توجد عقوبة دنيوية على إختيار الكفر بل كل العقوبات أخروية يجريها الرب عز وجل بحق الظالمين بدون مساعدة من أي إنسان لا في الدنيا ولا في الآخرة:
” وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)”.إلا أن غيره أخفق.
فكل من الشيخ ابن تيمية (661 هـ – 728هـ) وزميله الشيخ ابن قيم الجوزية (691هـ – 751هـ)
لم يستطيعا حسم موقفهما بالانضمام إلى سلفية ابن الجوزي الناعمة والمتصوفة في وجه سلفية البربهاري الإفنائية المتأزمة. بل يبدو أنهما قررا مسك العصا من الوسط فتجد في كتاباتهما إرث أبو الفرج بن الجوزي السلفية المتصوفة وتجد في كتاباتهما إرث البربهاري المتأزم الذي يريد إصلاح الضمائر بالعصى من خلال مجموعة فتاوي متشنجة لا ترتضي للإنسان من ممارسة مشيئته التي كفلها القرآن.
نعم تجد عند ابن تيمية-ابن القيم من إرث أبو الفرج بن الجوزي فتارة تجد أن ابن تيمية يسهب في الكتابة عن متصوفة الحنابلة الثلاثة: الشيخ عبد القادر الجيلاني، وعن الجنيد، وعن إبراهيم بن أدهم. كما تجد ابن القيم يختصر كتاب تصوفي باسم “مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين”
وفي ذات الأثناء تقرأ بين نصوصهما تعابير الإقصاء وزندقة المخالف وبل تكفيره اقتداء بالبربهاري.
بعد هذه المقدمة انكشفت عنا قشاعة أربكت الكثير في عدم فهم مصدر شطحات ابن تيمية-ابن القيم المسهبة في التأزم وتارة المسهبة في النعومة.
لذلك أعتقد أنه إذا ما تمكن لنا من إعادة إكتشاف تصوفيات السلفي \ المتصوف أبو الفرج بن الجوزي وحجم تأثره على كل من ابن تيمية-ابن القيم ومن ثم إنقاذ إرث ابن تيمية-ابن القيم من تلويثات البربهاري الإفنائية المتأزمة لتمكن لنا من طرح سلفية تصوفية ناعمة. بعد ذلك يستطيع من يصر على الأنموذج السلفي من الأخذ من هذه السلفية/الصوفية المنقحة دونما أن تكون أفكاره إقصائية للتنوع الديني واللاديني في المجتمعات.
ولكن كان هناك مشروع سلفي آخر، بل حتما من نوع آخر أطلقه محي الدين بن عربي الأندلسي (558 هـ- 638هـ). فابن عربي المتصوف المشهور كان أيضا في زمانه (وليس في زماننا) مشهور بشيء آخر وهو فقهه. كان ابن عربي سلفيا جدا على مستوى الفقه.
فهو يؤمن باللامذهبية وهي ركيزة فقهية سلفية. فكان ابن عربي يضيق على الإنسان فرص التقليد ويحث كل فرد يمتلك سعة كافية من صنع مذهبه الصغير الخاص به.
فابن عربي من الناحية الفقهية سلفي جدا بكونه لا يؤمن بالتقليد المذهبي. ومن الأسر العربية التي مازالت تحافظ على إرث ابن عربي التصوفي-السلفي هي الأسرة الصديقية الغمارية المغربية. فهي من ناحية تشجع اللامذهبية ومن ناحية أخرى تشجع تصوف ابن العربي.
إذا نحن أمام أنموذجين. فهناك أنموذج متاح لمن يريد أن يكون حنبلي متصوفا كأبي الفرج بن الجوزي وهناك أنموذج آخر لمن يرغب بانموذج اللامذهبية المتصوفة كتلك التي عمل بها بن عربي الأندلسي.
ختاما المتجدلة التصوفية – السلفية إرث ذو تاريخ قديم. إرث متصالح في شخص أبو الفرج بن الجوزي وفي شخص ابن عربي الأندلسي صاحب الفتوحات المكية.
ويمكن لمحبي السلم والسلام المجتمعي إثراء الوعي لدى الشباب بالتخلص من أفكار البربهاري الدخيلة وبتنقية كتب ابن تيمية وابن القيم منه لكي نعطي لمجتمعاتنا الفرصة من تعايش متعدد متصالح.