رحيل المفكر مراد هوفمان مؤلف “الإسلام كبديل” و”يوميات ألماني مسلم”..
تتجلى ريادة ركيزة التسامح في الدولة الألمانية من خلال قصة إعتناق الدبلوماسي الكاثوليكي “مراد”ويلفريد
هوفمان الإسلام في عام 1980. فما هي قصة هذا الرجل الذي غادرنا يوم أمس عن عمر 89 عاما رحمه الله تعالى.
ولد ويلفريد هوفمان في عائلة كاثوليكية في عام 1931 وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أكمل في عام 1957 دراسته للقانون الألماني مع الدكتوراه واجتاز امتحان ترخيص مهنة المحاماة. ثم ذهب الى أمريكا والتحق
بجامعة هارفارد لينال في عام 1960 درجة ماجستير في القانون الأمريكي كشهادة إضافية على دكتوراته.
كان عضواً في وزارة الخارجية الألمانية ومتخصص في قضايا الدفاع النووي أثناء فترة استشارية المستشار
هلموت شميت (Helmut Schmidt) ( 1918 – 2015) لألمانيا الغربية بين أعوام 1974 إلى غاية 1982.
وبعد عام على اندلاع الثورة الإسلامية في إيران أي في عام 1980 اعتنق ويلفريد الإسلام وأضاف اسم مراد
أمام اسمه الكاثوليكي ليكون اسمه مراد-ويلفريد هوفمان.
نتيجة ما كان يشهده الشرق الأوسط من تحركات جماهيرية عارمة لم تكن الأجواء الأوروبية متهيئة لاعتناق مسؤول كبير فيها للإسلام.
فقام الجمهور الألماني بالتعبير عن عدم رضاه على اعتناق رجل سياسي في منصب رفيع المستوى الإسلام.
لكن قرر المستشار هلموت شميت ممثل الحزب الديمقراطي الاجتماعي (SPD) أن المعتقد جزء من الحرية الشخصية ويجب على ألمانيا أن تتمسك مع مبادئها الراسخة لا أن تجري خلف الانفعالات هنا وهناك.
بعد المستشار هلموت شميت وصل ممثل الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) السيد هلموت كول (بالألمانية:
Helmut Kohl) (1930 – 2017) إلى كرسي الاستشارة كمستشار لألمانيا الغربية من 1982 حتى 1990، ثم كمستشار لألمانيا المتوحدة (الشرقية والغربية) حتى 1998.
تعامل السيد هلموت كول مع مراد-ويلفريد هوفمان بمهنية واحترافية عالية قائمة على عقيدة راسخة أن
“ما لله لله، وما لقيصر لقيصر” فترك لمراد المساحة أن يتألق كدبلوماسي ألماني في مجال عمله. فشغل أثناء
استشاريّة هلموت كول منصب مدير المعلومات في منظمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل (1983-1987) ، وشغر منصب السفير في الجزائر (1987-1990) ، ومن ثم السفير في المغرب (1990-1994).
سرعان بعد إسلامه انكشفت لنا خاصية أخرى لمراد هوفمان و ضعته في قائمة المفكرين الإسلاميين الذين
كتبوا في مواضيع الفكر الإسلامي الحديث، منها “يوميات ألماني مسلم” و”الإسلام كبديل”.
“الإسلام كبديل” كان أكثر كتبه التي صنعت زوبعة وجدل فكري في أوساط المثقفين العرب، مما نحى بشباب
البحرين من استدعائه في عام 2000 إلى مملكة البحرين ليحاضرنا عن جدليات كتابه الإسلام كبديل والذي كنت أحد الحاضرين في تلك الندوة.
تحدث مراد هوفمان (رحمه الله ) من أن للإنسان حرية اتخاذ قرار الإلحاد ومن أن هذا يسبب له عقوبات في
الآخرة ولكن، في وجهة نظر مراد، لا يوجد عقوبة في الدنيا لمن يتخذ مثل هذا القرار.
كما أنه (رحمه الله) شرح أن غطاء الشعر ليس جزء من الدين، ثم تحدث عن موقفه الخاص من تعدد الزوجات.
بعد المحاضرة ضجت القاعة بالأسئلة. وبعد ما هدأ القاعة تقدمت إلى المنصة وقلت له: إني أدعوك لتناول طعام العشاء معي فوافق (رحمه الله تعالى) بلا تردد، فذهبنا الى مطعم شعبي بسيط في أحد منتزهات العاصمة البحرينية، المنامة.
هناك أبدى لي السيد مراد أنه متأثر بحركة جمال الدين الأفغاني (ت: (1897 ومحمد عبده (ت: 1905 م)
وأبدى تحفظه على التصوف بحجة أنه مدعاة إلى الخمول والتخلي عن العمل الدنيوي. حاولت أن أخبره أن السّلفية ليست هي قارب التمدن الموعود للإسلام، ومن أن أنموذج بن سيناء (ت: سنة 427 هـ -1037م)
الجامع بين العرفان والطب هو أجمل مثال إسلامي مسالم لمسلم متعلم، متمدن، مُتَرَوْحِن، يمكن تسويقه بين المسلمين في لحظة مدنية متطورة كالتي نعيش فيها.
دخلنا بعدها في حجج الرأي والرأي الآخر. وبعد تناولنا للشاي المُنعنع أوصلته الى مكان إقامته وشكرته على
نبل أخلاقه وتواضعه وكانت هذه آخر مرة شاهدته فيها (رحمه الله تعالى).
قدم مراد هوفمان حوالي 350 محاضرة حول مواضيع إسلامية في 31 دولة.
كما قام مراد هوفمان بنشر كتب باللغة العربية والبوسنية والإنجليزية والفرنسية والمالايالامية والروسية والتركية والمجرية.
شغل مراد هوفمان منصب عضوًا في مجلس إدارة جامعة ابن رشد الإسلامية في الأندلس ، قرطبة ، إسبانيا.
و العضو المقابل في أكاديمية بحوث الحضارة الإسلامية ، عمان ، المملكة الأردنية الهاشمية.
والعضو الفخري والمستشار للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا (ZMD).
و كان عضوا كامل العضوية في مؤسسة أهل البيت للفكر الإسلامي في الأردن وعضوًا في المجلس الشرعي لبنك البوسنة الإسلامي في سراييفو. حصل على وسام من نائب رئيس دولة إمارة حاكم إمارة دبي الشيخ محمد راشد آل مكتوم بصفته “شخصية العام الإسلامية” لعام 2009.
كما تم إدراج هوفمان أيضًا في قائمة أهم 500 شخصية مسلمة في العالم من مركز
التفاهم الإسلامي المسيحي في جامعة جورج تاون ومركز الدراسات الاستراتيجية الإسلامية في الأردن.
ونال العديد من الأوسمة وميداليات الثناء منها:
صليب الاستحقاق الفيدرالي ، ألمانيا و قائد وسام الاستحقاق ، إيطاليا. وسام الاستحقاق في الآداب والعلوم،
الدرجة الأولى ، مصر. وجراند كوردون.