حوار مع بدر العبري، أشهر يوتيوبر في سلطنة عمان
حقيقة لا يستطيع أي مثقف عربي أن لا يتوقف معجبا ب تسجيلات الأستاذ بدر العبري “اليوتيوبية”.
عندما شاهدت أول تسجيلات الأخ بدر العبري في قرابة عام 2018 شدني هذا الشاب جدا ولفت إنتباهي. شدني ملبسة العماني التراثي والأهم شدني أنه شاب وأنه يجري مقابلات مع شخصيات فكرية عربية بعضها نعرفه وبعضها نجح العبري بإماطة ستار الجهل عنها للكشف عن أهميتها للجماهير اليوتيوبية المتعطشة للفكر والثقافة والأدب.
ارسلت رسالة الى صديقي القديم بدر العبري عن طريق “الواتس أب” وقلت له لقد حان الوقت أن تتعرف عليك الجماهير العربية في أوروبا. فرد علي متندرا، ومن أنا لكي أكون مهما لتلك الدرجة؟ قلت له: بل إنك مهماً لكل إنسان يعشق الثقافة العربية والأهم إنك شاب وبمجرد هذا فإنك تعطي مثالاً للشباب العربي أن يتبع خطاك.
الأخ بدر بن سالم العبري من مواليد 1980 وُلد في مدينة بهلا التراثية الجميلة في منطقة الداخلة من سلطنة عمان.
ألّف أربعة كتب نذكرها لكم:
القيم الخلقية والانسان رؤية قرانية، فقه التطرف، أيام رمضان، إضاءة قلم.
في البداية نرحب بك في منصة آراب الثقافية ونبدأ بالسؤال الأول،
الإنسان في أيام الكهف كتب مستخدما الصور ولم يستخدم الحروف. هل ترى أن عصر الحروف يندثر ويعود علينا عهد الصورة والصوت ليحل محل الكتاب؟
لست هنا في بيان جدلية أنّ السّمع أقوى في التّأثير أم البصر، ولا شك عقلا وأثرا نقشيّا أنّ مرحلة السّماع سابقة على المراحل الأخرى من التّوثيق، وتطور الإنسان معه، بل تعود أحيانا وتكون الأقوى كما في العصر الجاهلي عند بعض العرب، وإن كان العديد منهم كان يستخدم الكتابة وسبل التّوثيق.
واليوم في وسائل التّواصل الاجتماعيّ رجعت مرحلة السّماع لتنافس مرحلة القراءة بقوّة، فلم تعد مقتصرة على مجالس معينة في الأسواق أو المساجد أو الطّرقات أو بعض البيوت؛ بل أصبحت ملازمة للإنسان، فأصبح اليوتيوب يعطي مادّة سمعيّة وبصريّة غزيرة، وتنافس عمق الكتب، بل وتقرّب المادّة العلميّة، وكذا الحال في السّاوند كلاود، بيد أنّ القراءة حاضرة أيضا منها العميق كما في الفيس بوك والمجلات، ومنها دون ذلك كما في تويتر.
ما الدّافع لإنشاء القناة يوتيوب ومتى أسست؟
بداية افتتحت القناة عام 2015م، إلا أنّ الافتتاح الرّسمي وبداية استغلالها في النّصف الثّاني من عام 2018م، حيث اهتديت إلى شراء هاتف سامسونج A7، وتعلّمت سريعا برنامج Kine Master عن طريق اليوتيوب لغرض ترتيب التّسجيل، واشتريت حاملا وناقل صوت، فكانت طريقة بسيطة بدأتها مع برنامج حوارات، وحتى الآن خلال سنتين ونيف سجلت قرب مائة حلقة في مختلف الجوانب الفكريّة والتّعايشية والتّنويريّة والنّقديّة والتّعارفيّة، بجانب (دشنت) خلال عام برنامج الحوار المفتوح، وحاليا في هذا الشّهر كان برنامج المجالس العلميّة، وقريبا بإذن الله تعالى برنامج ليالي عربيّة ودوليّة.
أمّا السّبب لإنشاء قناة فهو إيجاد منصّة علميّة وتنويريّة حرة، تناقش القضايا ونتعرف على الآخر بعيدا عن الأيدولوجيات السّياسيّة والدّينيّة والمجتمعيّة، ولهذا سميتها بأنس بضم الهمزة أي من الأنس والإنسانيّة، فاستطعنا بحمد الله أن نقترب ونجلس ونتعرّف على الآخر سواء في المذاهب الإسلاميّة بأنواعها، أو التّوجهات المعاصرة كاللّبراليّة والعلمانيّة والعلمويّة والحداثة وغيرها، أو على مستوى الأديان كالزّرادشتيّة، والبوذيّة، والفيدس من الهندوسيّة، والسّيخيّة، والبهائيّة، واليهوديّة، والبروتستانتية اللّبراليّة، والأرثدوكس، واللّوثريّة، والمشيخيّة، والمورمون، والمعمدانيّة، والموارنة، والصّابئة مثلا.
من المحلية الى الكونية، أين أنت جغرافيا؟
في البداية أردت أن ترتبط القناة بالإنسان، وأن لا أجعل المستمع أو المشاهد لصيق جغرافيا أو هويّة معينة؛ لأنّ الفضاء الواسع يجعل الإنسان مبدعا خلاف الفضاء الضّيق، لهذا لم يكن هدفي أن أحصر نفسي في أقليم أو مذهب أو دين معين، وإنّما أكون مرتبطا بالذّات الإنسانيّة كذات مستقلّة بعيدا عن أيّ توجه ضيّق يحصرها في زاوية ضيّقة، ولإيمانيّ أنّ التّعدديّة بين البشر ثراء للمجتمع البشري جميعا، وعلينا أن نخرج من الهويات الضّيقة إلى الإنسانيّة الواسعة، ومع هذا تركت لكوني في عمان مجالا لمفكريها وكتّابها ومعارفها، وهناك العديد من الرّموز العمانيّة وعن التّعايش والتّأريخ والثّقافة والواقع العماني في القناة.
لقد رصدنا تعطش المتابع العماني ليتيوباتك، ما رأيك؟
الحمد لله مع كون القناة عمرها الحقيقي لم يصل بعد ثلاث سنوات إلا أنّ المشاهدات تقترب من نصف مليون مشاهدة، والعديد يشاهد، وبعضهم يستخدمها كمادّة مرجعيّة في بحثه أو رسالته أو أطروحته، وهناك من كتب عن بعض لقاءاتها في الدّاخل والخارج، إلا أنّ المشاهدات تختلف أحيانا حسب المادّة أو الشّخصيّة، فمع الإحصاء الكلي أن أكثر الدّول مشاهدة للقناة عُمان ثمّ السّعوديّة ثمّ المغرب ثمّ مصر ثمّ الجزائر ثمّ تأتي دول أخرى عديدة، ولكن أحيانا مادّة معينة تلائم جغرافيّة معينة فيكون عدد المشاهدات من تلك الدّولة أكثر كمادّة محمّد عابد الجابري للباحث السّوداني غسان عليّ عثمان، فانتشرت في المغرب بشكل كبير، وكذا المدرسة الزّيديّة للباحث اليمني محمّد يحيى عزّان انتشرت في اليمن بقوّة، وأحيانا يعتمد على الشّخص مثلا الباحث عصام القيسي لكونه يمنيّا، ومعروفا عند اليمنيين، لهذا انتشرت مادّته عن حجيّة السّنة لدى المشاهدين اليمنيين بصورة أكبر.
ما هي آلية اختيار المواضيع وكيف تحضر الأسئلة؟
بالنّسبة للمواضيع بطبيعة الحال عندنا حاليا ثلاث برامج كما أسلفت، أصعبها حوارات، حيث أحاول أن يكون الموضوع يحمل الجوانب الإبداعيّة والنّقديّة والتّنويريّة ويقدّم معرفة جديدة، فيختلف من حيث تخصص الشّخص ونوع المادّة، فأحيانا الضّيف يختار عنوانا أو أكثر من عنوان وعناصر عامّة للعناوين، وأحيانا يختار فقط العنوان وأنا أضع العناصر، والأكثر أنا أضع العنوان والعناصر، ولهذا أجد صعوبة، فأحيانا أحتاج أن أجلس جلسة مستقلّة مع الشّخص لأستلهم فكره من حديثه ثمّ أقرر موعد اللّقاء، وأحيانا أقرأ عن الشّخص وماذا كتب، وأحيانا تكون شخصيّة معروفة ولكن الموضوع المطروح قد يحتاج لوضع عناصره أياما من القراءة والبحث.
أمّا برنامج الحوار المفتوح فأسهل بكثير؛ لأنّ غالبا الشّخصيات تختار عنوانا أو أكثر، وأحيانا نحن نختار، ثمّ يتحدّث عن العنوان، ثمّ يناقش من خلال حديثه، أمّا الجلسات العلميّة فصعوبتها في اختيار المادّة وورقات العمل والشّخصيات الّتي توافق تطوعا وبلا مقابل؛ لأننا قناة تطوعيّة ليس لديها مال ولا تستقبل ولا تعطي مالا، فقط المعرفة.
إنني أرى أنك مثقف من الطراز الرفيع ذو مشاريع فكرية. فما هي رؤيتك الثقافية؟
لا أزعم أنّه لديّ مشاريع، فلا زلت باحثا بسيطا، وحاليا بطبيعة الحال أعمل على القناة، وتحويل بعض موادها إلى كتب، أنهيت حاليا كتاب المدرسة الزّيديّة، والآن أعمل على كتاب حول آراء المفكر العماني صادق جواد الفكريّة والفلسفيّة من حوارات القناة، حيث لنا مشروع معه من عشر حلقات يتحوّل إلى كتاب – بإذن الله تعالى -، سجلنا حاليا ثلاث حلقات، وكذا مشروع الأديان.
وأمّا المشاريع الخارجيّة عن القناة فكان لنا مشروع نقد التّطرف وأنجزنا فيه وصدرت مثل كتاب: القيم الخلقيّة والإنسان، وفقه التّطرف، وإضاءة قلم في التّعايش، والجمال الصّوتي مثلا، والآن اشتغل على مشروع الأنسنة، وحاليا انتهي قريبا من كتاب الظّرفيّة التّدبيرية في التّعامل مع النّص الدّيني وهو مقدّمة لمشروع أنسنة التّأويل، وأنسنة الدّولة، وهي أعمال متواضعة في الجملة من باحث بسيط.