اليمين واليسار: تأملات في منطق الثورة والتقدم!

اسفل الخبر

يُؤسَف على المتأثرين باليسار وهَيَجانِهِم… في الصراع بين اليسار واليمين، يظهر اليمين أكثر تعقّلاً وإن بدا متشدداً للبعض. كانت لدى (هانز هوبه) فكرة حول ما أسماه “التاريخ التنقيحي”؛ الذي لا يكفي لبنائه وجود مُعطيات متمثلة بأيديولوجيات، ثورات، انقلابات، تجارب نووية، حروب…

وتأويل كل ما سبق وتفسيره، بل لا بدّ من وجود محاكمة عقلانية قائمة على المبدأ الأخلاقي غير الخاضع للتجريبية والنسبية، وعلى المبدأ التصرفي “الاقتصادي” الذي يفهم تطور المجتمع البشري وفق تسلسل منطقي متعاقب. في العلم أيضاً، كان الخلاف نفسه قائماً بين (بوبر) الذي وجد أن تطور العلم ديناميكي وليس ثورياً، و(توماس كون) الذي فسر العلم على أنه ثورات ظرفية ونقلات مفاجئة.

ويتقارب بوبر وهوبه كما نستنتج من قراءة كليهما عند فكرة يمكن أن أسميها بـ “نابض الثورة”. إذ يرى بوبر أن الثورة في العلم لا تكون بصورة قفزات خارج خطه البياني، بل هي نقاط على خطه تضمن استمرار حركته أو تُمثلها، إذ تصبح “الثورة” عندئذٍ نابضاً يدفع الخط البياني إلى الأمام (بغض النظر عمّا إذا كان نحو الأعلى أو الأسفل) وفي الوقت نفسه يُفسر هوبه تطور المجتمع البشري بتعاقب الثورات الحضارية بدءاً من الثورة النيوليثية وتليها الثورة الصناعة، ونضيف إليها الثورة التقنية إن أمكن.

ويظهر التقائه مع بوبر في الاعتراض على اعتبار الخط البياني متصاعداً أو انتقالاً نحو الأعلى فقط؛ إذ إن التاريخ يحمل مراحل نكوص أخلاقي وتقهقر اقتصادي، كما أن العلم هو فرضيات تتبع مبدأ “قابلية التكذيب” إذ يمكن دحض فرضية ما وتقويض أُخرى. يأتي هذا التشابه بينهما في الاتفاق على المبدأ العقلاني “التنقيحي” على الرغم من كون هوبه يعارض التجريبية القائمة على عدم وجود مبدأ ثابت أو معيار واحد للحكم. وبالعودة إلى شعارات اليسار وثرثراتهم هنا وهناك، نجد أن افتعال الثورة عندهم لا يكون لغاية بل يكون هو الغاية؛ تصبح الثورات معه قفزاً في المكان أو قفزاً إلى الوراء، بدلاً من أن تكون نابضاً لضمان الحيوية. وهو ما يجعلهم متحمسين لكل انفعال أو احتفال أو احتقان؛ دون أن يعلموا هم أنفسهم مآلات ما يقومون به رغم كونهم يخدرون عقولهم ببعض الحجج التي تؤجج العواطف تارةً وتتسوّلها تارة أُخرى.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد