المرأة في شراك فقه مثنوي يفرز الوجود الشرعي في ثنائية الحلال والحرام
في أجواء الجدل الفكري فوق ربوع الفيسبوك أثار السيد Abdelkrim Hemma عبدالكريم همّة جدلا فكريا بلغ بعض رتوشه دوامة أصدقائي الفكرية عندما لفت انتباهنا كاتبا تحت هذا العنوان واليكم النص كاملا:
في أجواء الجدل الفكري فوق ربوع الفيسبوك أثار السيد Abdelkrim Hemma عبدالكريم همّة جدلا فكريا بلغ بعض رتوشه دوامة أصدقائي الفكرية عندما لفت انتباهنا كاتبا تحت هذا العنوان واليكم النص كاملا:
هل تطورت المرأة أم الفتوى؟
في عام (1951) ألّف الشّيخ محمّد الغزاليّ – رحمه الله – كتابا اسمه ” من هنا نعلم ” وأفتى فيه بأنّ عمل المرأة حرام، وأنّها يجب أن تقرّ في بيتها!
في عام ( 1986) ألّف الشّيخ محمّد الغزاليّ – رحمه الله – كتابا اسمه ” سرّ تأخّر العرب والمسلمين ”
تراجع فيه عن فتواه السّابقة، وبيّن فيه أنّ الصّحيح أنّ المرأة لها الحقّ فى العمل بكلّ الوظائف،
إلاّ وظيفة رئيس الدّولة باعتبارها ولاية عامّة !
في عام (1989) ألّف الشّيخ محمّد الغزاليّ – رحمه الله – كتابا اسمه “
السّنّة النّبويّة بين أهل الفقه وأهل الحديث ” تراجع فيه عن فتواه السّابقة، وبيّن فيه أنّ من حقّ المرأة تولّي رئاسة الدّولة، باعتبارها محكومة بالدّستور والقوانين !
لتبقى المرأة هو الثابت و رأي الفقهاء هو المتغير تحت غطاء المذهب
و الهوى و هاذا ما وجدنا عليه أباؤنا و يمكن تغيير المفاهيم إذا عرض الأمر
على كتاب الله بي عقل حقيق لا تؤرجحه الانتماءات.
دمتم في ملك الله
انتهى الإقتباس
بادئ ذي بدء علي أن أقر بأني لست ملما بشكل جيد بكتابات الشّيخ محمّد الغزاليّ (1917–1996)،
رحمه الله تعالى، لذلك لست متأكدا أن ما نُسب اليه هو من جنس كتابات الفتوى أو من جنس الرأي أو القول. فالرأي الفقهي مادة كتابية تقع في أهميتها دون الفتوى. كما أن قضايا المرأة الفقهية ليس من أحكام
الإعتقاد، والتي هي محل شبه إجماع، بل هي مما ينتمي الى الأحكام العملية القابلة للجدل والتداول. أضف الى أن بعض أحكام المرأة يعد من مستجدات الحياة النوازليّة مما يخضعه بشكل أكثر تحت قوانين صيرورة المتحول والمتغير الفقهي لا الثابت.
أيضا الصياغة التي استخدمها الأستاذ عبدالكريم همّة صياغة مختصرة لم تسمح لنا تدبر الأمر بشكل وافي لنفهم مقالة الشيخ الغزالي، رحمه الله تعالى، فهل هي فعلا تطورا أم توضيحا لمبهم سابق.
فكثيرا ما نجد أن الشيوخ (حفظهم الله تعالى) في مجالسهم يتباحثون أمور لم تنضج بعد في عقولهم مع جلسائهم بشكل يسنح لهم بتخريجها في إطار فتوى.
فهناك مقالة وتداول ورأي مثل ما أن هناك فتوى وعلينا في كلّ الأحوال تحري هذا قبل أن نحلل تطورات عقل الشيخ حول القضية التي نناقشها.
ما يهمني هنا هو مناقشة مضار التسليم للفكر الشرعي من رؤية الواقع من خلال ثنائية حلال أو حرام.
ففكرة جلب الفكر المثنوي القديم الذي أثـّر على رؤية العالم الشرعي من خلال إرغامه على وصف العالم في إطار ثنائية صح مقابل خطأ هو جلب لمثنويات “ماني” (276م) التي تنسب إليه المانوية.
الفكر المانوي أثر أيضا على العالم اللغوي السويسري الشهير فرديناند دو سوسور ت. 1913
الذي يعد أبو المدرسة البنيوية في مرحلتها اللسانيّة. فقد أقحم دو سوسور ثنائيات مانوي في كل الدراسات الإنسانية وروج لعقلية تعبر عن رؤيتها للعالم من خلال صياغات قطعية يظهر فيها الوجود من خلال مصطلحين أساسيين، غالبا ما يكونا متعاكسين، مثل الخير والشر، النور والظلام، الذكر والأنثى، الأبيض والأسود، الخ.
هذا الفكر المانوي ال دو سوسوري سبب أزمة في أوروبا في حقبة الحداثة المتأثرة بالبنيوية.
فرأى حينها الأوروبي أن تطوره المادي جعله متقدم وجعلت من الآخر غير المادي متخلف، واشتهرت معه ثنائيات متحضر – بربري، فن رفيع الذوق – فن وضيع الذوق، الخ.
الذي يزعجني في كل هذا الأمر أننا نسينا أن أباءنا المعرفيون القدماء قد تمكنوا من إنقاذ العالم حينها من ثنائيان مانوي القاتلة للإبداع الفكري من خلال وضع سبع مدارات للأحكام الشرعية تدور في إطار
مندوب ، مباح، جائز ، واجب ،مكروه، منهي عنه، محرم
هذه السباعية والتي تعتبر طفرة عقلية عربية مذهلة سمحت من رؤية العالم من خلال منظور يتجاوز العوائق الذي تفرضه مثنويات مانوي على الذهن. فلم يعد رؤية كل شيء مقصور على ثنائيات أبيض أو أسود بل إن آلية التصنيف الثقافية الفقهية وفرت للعربي نظام تصنيفي يحتوي على عدة رفوف (لا مجرد رفين فقط) يمكن على ضوئها تشريح الظاهرة محل الدراسة الى أجزاء كثيرة لتصنف في إطار ما يناسب إدراجها في الخانة المناسبة.
فمثلا تناول الطعام المباح لا يناقش في إطار حلال أو حرام جائز أو غير جائز بل يتحرك في إطار إنه
واجب اذا كان عدم الأكل يضر بالإنسان وقد يكون مستحب وقد يكون منهي عنه أو مكروه أو محرم إن كان يتدرج تصاعديا في مضرته بالجسد. الرؤية الفقهية سمحت لأمور وقضايا أشياء عدّة من التدرج والتحرك على مقياس ذو درجات كثيرة تنطلق من الإيجابي الى السلبي.
هذا المنطق الفقهي السباعي أثرى العقلية السيسيولوجية والأنثروبولوجية وكافة الدراسات الإنسانية للتخلص من مثالب ثنائيات فرديناند دو سوسور البنيوية. وقد التقط خيوط هذا الفكر الثوري المفكر البريطاني ستيوارت ماكفايل هال ت. 2014 ليعزز الإنتقال من بنيوية الشهير فرديناند دو سوسور المانوية الى المابعد بنيوية المابعد حداثية الما بعد بوسيتفستية عندما تمكن من تطوير أطروحة مفادها أن الأبيض ليس خانة صلبة بل سائلة ومتدرج البياض وأن الأسود كذلك متدرج لذلك قال أنه لا يمكن رؤية الأبيض والأسود على أنهما ثنائيتان بل على أنهما متدرجان لانهائياتان
يتبعان نظام متدرج ما لانهائي يسمح بالهروب من مصيدة ثنائيات فرديناند دو سوسور المانوية الصارمة المقيدة للوجود السيوسيولوجي للدراسات الإنسانية.
إذا الذي أزعجني في ما ينسب الى الشّيخ محمّد الغزاليّ ودفعني إلى كتابة هذه المقالة ليس كيف كان يرى الشيخ (رحمه الله تعالى) المرأة من منظور إجتهاداته الفقهية بل الذي أزعجني هو البنية الفقهية التي يصدر عنها أرائه الفقهية.
تلك البنية التي أنتجت فقهيات إقترنت ب حلال-حرام والتي مازالت عالقة في شراك مثنويات ماني والتي مازالت تعيق فساحة الرؤية الفقهية القديمة السباعية.