الغرب يسقط تماثيل تجار الرق والعبيد
أفكار مرسوم “حرية الضمير” (suneidesis) الذي أقر في أوروبا في عام 1521 نتيجة كفاح الألماني والمصلح والمجاهد والبطل اللاهوتي الكبير مارتن لوثر (10 نوفمبر 1483 – 18 فبراير 1546) يعود الينا من جديد. فكما فهم مارتن لوثر اللاهوت أنه لا سيادة لمؤسسة دينية على ضمير الإنسان ولا على حرية الإنسان من الإيمان بالله خارج فهم المؤسسة.
أفكار مرسوم “حرية الضمير” (suneidesis) الذي أقر في أوروبا في عام 1521 نتيجة كفاح الألماني والمصلح والمجاهد والبطل اللاهوتي الكبير مارتن لوثر (10 نوفمبر 1483 – 18 فبراير 1546) يعود الينا من جديد. فكما فهم مارتن لوثر اللاهوت أنه لا سيادة لمؤسسة دينية على ضمير الإنسان ولا على حرية الإنسان من الإيمان بالله خارج فهم المؤسسة.
بل إن الديانة عند مارتن لوثر ترى أن الإنسان ومن خلال ضميره فقط يعرف الله ويعرف العدالة، وعلى ضميره يحاسب الإنسان، عليه يجب على كل إنسان الإنصياع لضميره إذا إختلف مع المؤسسة لا للمؤسسة.
بعد أن إستوعبت الجماهير مقاصد تعاليم حرية الضمير التي رسم مبانيها البطل مارتن لوثر خرجت الجماهير الأوروبية في القرن السادس عشر لتحطم تماثيل رموز أبطال السيادة المطلقة للمؤسسات الدينية.
اليوم التاريخ يعيد نفسه. فبسبب طريقة مقتل جورج فلويد الأمريكي الأسمر خرج الناس الى الشوارع بدافع حرية ضمائرها لتندد ضد تاريخ الإستعباد الذي كانت تباركه المؤسسات الدينية.
مع وفاة جورج فلويد عاد التاريخ بشكل عارم ليحضر بين وعي الجماهير التي تريد إعادة تقييم ماضيها.
الفارق كبير. ففي الماضي كان وعي الجماهير يحتفل باستعماره للعالم. ونصب وشيد تماثيل لأبطال الاستعمار.
كان وعي الناس في الماضي قائم على خطاب يصور العالم الثالث والرابع كأماكن ذات مجتمعات تفتقد الى النظام.
ذهب أصحاب هذا الخطاب من قارته الى أفريقيا وأمريكا الجنوبية والشرق الأوسط ليتعامل مع من يسميهم “الإنسان البدائي” وفي بعض الأحيان الإنسان “الوحشي” غير الأليف.
ذهب أتباع العالم الأول لاستعمار عوالم كثيرة بحجة أنه بحاجة الى رفع مستواه من حضيض البربرية الى مستوى حضاري جديد.
الأمور لم تكن هكذا. فقد صاحب ذلك عملية قتل هائل وسالت الدماء واستعبد البشر وتم جلبهم الى أمريكا والى أوروبا لبيعهم كعبيد هناك.
لعقود طوال كان نصب وتماثيل رموز حقبة الاستعمار بكل ما حمل من معاني فخر للبعض،
لكنها، أيضا، كانت تماثيل لرموز تحمل إنجازاتها ذكريات مريرة للأوروبيين والأمريكان من أحفاد الذين استعبدوا وشردوا وقتلت أهاليهم ومزقت مجتمعاتهم.
مع وفاة جورج فلويد حضر التاريخ ليتمركز في وعي الجماهير. جماهير اجتاحت الميادين تريد إعادة تقييم ماضيها.
الفرق اليوم أن من يريد أن يصوب أخطاء التاريخ هم أبناء الضحايا والمتعاطفين معهم من الليبراليين واليسار.
إن حرية الضمير تتدفق في لحظتنا التاريخية بقوة. خرج الناس وتوجهوا الى تماثيل رموز الاستعباد.
خرج الناس وقطعوا رأس تمثال لكريستوفر كولومبوس في بوسطن وتعرض آخر للتخريب في ميامي، فيما رمي ثالث في بحيرة في فيرجينيا في إطار الحركة المناهضة للعنصرية التي تجتاح الولايات المتحدة.
وحسب وكالة “فرانس برس”، تأتي هذه الهجمات على تماثيل مكتشف الأمريكتين، في إطار الحركة التي تهاجم رموز الماضي الاستعبادي والعنصري في أمريكا ودول أخرى مثل بريطانيا وبلجيكا.
وفي بوسطن بولاية ماساتشوستس، فتح تحقيق لم يؤد بعد إلى توقيفات على ما قال ناطق باسم الشرطة المحلية لوكالة “فرانس برس”. وكان تمثال المستكشف الإيطالي موضوعًا على مسلة في متنزه كريستوفر كولومبوس في وسط المدينة الواقعة في منطقة نيو إنغلاند. وسبق أن تعرض للتخريب في الماضي، إذ إن كريستوفر كولومبوس مثار جدل في الولايات المتحدة منذ سنوات عدة.
فالبحّار الإيطالي الذي اعتبر لفترة طويلة “مكتشف أميركا”، كثيرًا ما بات يعتبر الآن أحد المساهمين في إبادة هنود القارة الأميركية والسكان الأصليين عمومًا.
واستبدلت عشرات المدن الأميركية الاحتفال بـ”يوم كولومبوس” الذي أصبح عيدًا فدراليًا العام 1937، بيوم يكرم “الشعوب الأصلية”. لكن ذلك لم يحصل في بوسطن ونيويورك اللتين تضمان جاليات كبيرة من أصول إيطالية التي تكرم في ذلك اليوم أيضًا.
وتحاول السلطات في الدول التي تشهد مثل هذه الاحتجاجات حماية التماثيل أو إزالتها “بهدوء” إلا أن إزالتها أو حمايتها لفترة بعيدا عن أعين المتظاهرين الغاضبين لن يلغي حقبة تاريخية أو ثقافية تتداعي آثارها في كل مرة تُرتكب فيها جريمة عنصرية مثل جريمة مقتل فلويد.
ففي بريطانيا، أمر صادق خان عمدة لندن، الخميس، العمال بوضع الألواح على تمثال ونستون تشرشل في ساحة البرلمان ومجموعة من المعالم الأثرية الأخرى لحمايتها من الأضرار قبل عطلة نهاية أسبوع أخرى من الاحتجاجات، حسبما نقلت صحيفة ديلي ميل.
كما أصبحت التماثيل التي ترمز لشخصيات شاركت في “تجارة الرقيق” أو كان لها تاريخا مع العنصرية في موقف صعب، فقد أسقط محتجون تمثالا لتاجر الرقيق من القرن الـ17، إدوارد كولستون، في بريستول ببريطانيا، الأحد الماضي، خلال احتجاج “حياة السود مهمة” بعد مقتل فلويد.
علق المتظاهرون حبلا على التمثال المدرج في الصف الثاني في شارع كولستون، قبل سحبه على الأرض، بينما هتف الحشود.
وقام المحتجون بدحرجة التمثال في الشارع في محاولة منهم إلى تدمير التمثال المثير للجدل في بريطانيا، حيث يعود ذلك التمثال البرونزي الذي أقيم في عام 1895، ويعتبر نقطة محورية للغضب بالمدينة خاصة أنه كان صاحبه يعمل في تجارة الرقيق.
وفي نيوزيلندا ، أزال مجلس مدينة هاملتون تمثالا لقبطان بحري بريطاني بعد أن طالب رجل من السكان الأصليين (ماوري) بإسقاطه بالقوة.
وكانت شركة محلية منحت، في عام 2013، تمثال الكابتن جون هاملتون للمدينة الواقعة في وسط الجزيرة الشمالية والتي سميت باسمه.
ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن تايتيمو مايبي أنه ينوي إزالة التمثال خلال مسيرة احتجاجية، السبت.
وقال إن تمثال هاملتون يوحي كما لو أنه كان بطلا لكنه “بقايا قاتلة”.
كان هاملتون قائدا خلال معركة “بوابة با” ضمن حروب نيوزيلندا في القرن الـ19، والتي كانت عبارة عن سلسلة من المعارك الدامية بين الماوري والحكومة البريطانية حول شراء الأراضي المتنازع عليها والاحتلال الاستعماري.
وفي الولايات المتحدة، دعت نانسي بيولوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي، الأربعاء الماضي، إلى إزالة 11 تمثالا لعسكريين ومسؤولين يرمزون للحقبة الكونفدرالية، وذلك في إطار الجهود المبذولة لمكافحة العنصرية.
وفي رسالة إلى لجنة برلمانية مشتركة، قالت بيلوسي، زعيمة الديمقراطيين في الكونغرس، إن “تماثيل الرجال الذي نادوا بالوحشية والهمجية للوصول إلى هذه النهاية العنصرية الصريحة، تشكل إهانة بشعة لمُثُل الديمقراطية والحرية”.