السَّلافيَّة الشَّرقيَّة و الحرب الكونية!
أصبَحت أوكرانيا في مرحلةٍ ما، الجزءُ الشَّرقيّ من الكومنولث البولنديّ اللِّيتواني “دولةٌ سابقة تشكَّلتْ في عامِ 1569″، واستوعبَت الأوكرانيَّة حينها كميَّاتٍ كبيرةٍ دخيلةٍ من اللُّغة البولنديَّة إليها. أمَّا بالنِّسبةِ لروسيا، وحَّدت “موسكو” مدنَ الشَّمال والشَّرق في دولةٍ مستقِّلة
تمثِّلُ اللُّغات وكيفيَّة استخدامِ النَّاسِ لها الهويَّات الشخصيَّة والتَّاريخ السِّياسي والثَّقافي للمجتمع. ما دفعَ البعض على مدار التّاريخ لتبريرِ وجودِهم داخلَ أمّةٍ مستقلّةٍ، لها كيانهَا وثقافتهَا الخاصّة من خلال لغتهَا الفريدة الخاصّة بها. والتي قد يحاولُ البعضُ استغلالها للإنقاصِ من الاختلافات بين لغتين؛ بهدف التَّقليل من قوميَّة بلد آخر؛ هذا ما يدفعُنا لإدراكِ أهميّة التّفريقِ بينَ الأيديولوجيَّة السِّياسيَّة والحقيقة اللُّغويَّة في كافّة دولِ العالم. وعلى سبيلِ المثالِ الصِّراع الرُّوسيّ الأوكرانيّ حاليّاً، فمنذُ ألفِ عام، كانت اللُّغةُ المستخدمةُ في أوكرانيا وروسيا متشابهة، مثل اللَّهجات المختلفة العائدة لنفسِ اللُّغة. لكِن مع مرورِ الوقتِ تحت تأثيراتٍ تاريخيَّةٍ مختلفة؛ ظهرت تحوُّلاتٌ كبيرةٌ في كلا اللُّغتين.
لمحة تاريخيَّة:
أصبَحت أوكرانيا في مرحلةٍ ما، الجزءُ الشَّرقيّ من الكومنولث البولنديّ اللِّيتواني “دولةٌ سابقة تشكَّلتْ في عامِ 1569″، واستوعبَت الأوكرانيَّة حينها كميَّاتٍ كبيرةٍ دخيلةٍ من اللُّغة البولنديَّة إليها. أمَّا بالنِّسبةِ لروسيا، وحَّدت “موسكو” مدنَ الشَّمال والشَّرق في دولةٍ مستقِّلة، سُمِّيت في النِّهايةِ “روسيا”. تأثَّرت اللُّغة الرُّوسيَّة بسبب الهجراتِ المتواليةِ من مناطقَ متعدِّدةٍ إلى الشَّرق. حيثُ تمَّ استيراد الكثيرِ من المصطلحاتِ الفنيَّة والثَّقافية الأجنبيَّة من دول أوروبا الغربيَّة، مثل: فرنسا وألمانيا وهولندا.
كلّ هذا يضعُنا في خانةِ البحثِ عن مدى التَّشابهِ والاختلاف بين اللُّغتين الأوكرانيَّة والروسيَّة؛ فَكِلاهما جزءٌ من عائلةِ اللّغة السَّلافيَّة. حيث يوجد أكثر من 20 لغةٍ مشتَّقةٍ من السَّلافيَّة القديمة، ويتِّم تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات فرعية:
السَّلافيَّة الشَّرقيَّة، مثل: الرُّوسيَّة والبيلاروسيَّة والأوكرانيَّة.
السَّلافيَّة الغربيَّة، مثل: البولنديَّة والتشيكيَّة والسلوفاكيَّة.
السَّلافيَّة الجنوبيَّة، مثل: السلوفينيَّة والكرواتيَّة والمقدونيَّة والبلغاريَّة.
تشتركُ اللّغة الأوكرانيَّة الحديثة في بعض القواسِم المشتركةِ مع أقربِ أقربائِها “الرُّوسيَّة والبيلاروسيَّة”، وأقلّ مع أبناءِ عمومتِها “كالتشيكيَّة”. وأحدُ الأرقامِ الَّتي يتمُّ الاستشهاد بها بشكلٍ متكرّرٍ هو أنّ الأوكرانيَّة والرُّوسيَّة تتشاركانِ بحوالِي 62٪ من مفرداتِهمَا؛ وهو نفسُ القدرِ من المفرداتِ المشتركةِ بين اللُّغة الإنجليزيَّة والهولنديَّة. وعلى الرّغم من اشتراك اللُّغتين في الكثيرِ من المفردات الأساسيَّة، إلّا أنّ التَّشابهَ ليسَ كافيًا لدرجةِ اعتبارِهما لهجاتٍ للغة واحدة.
لأسبابٍ ترتبطُ بالتّاريخِ السّياسيّ والثقافيّ لتلك المجتمعاتِ، تميَّزت مجموعةُ اللُّغات السَّلافيَّة عن بعضها البعض، فالأوكرانيَّة تستخدمُ نسخةً من الأبجديَّة السِّيريليَّة والَّتي تشترك في الكثيرِ من الأحرفِ مع نظامِ الكتابةِ الروسيّ؛ ولكنها تحتوي أيضًا عددًا قليلًا من الأحرفِ الفريدة؛ لتمثيلِ الأصوات الخاصَّة باللُّغة الأوكرانيَّة.
هنالك أربعةُ أحرفٍ مفقودةٍ في الأوكرانيَّة من الرُّوسيَّة (ґ، є، і، ї)، وأربعةُ أحرف مفقودةٍ بالرُّوسيَّة من الأوكرانيَّة (ё، ъ، ы، э)، بالإضافةِ إلى عددٍ من القواعدِ والأصواتِ المختلفة. والتي مع حلولِ الوقتِ وأثناء سيطرةِ روسيا على أوكرانيا في القرن الثّامن عشر، لم يعدْ المتحدّثون مرتبطينَ بشكلٍ وثيق، فغالباً ما يعرفُ الأوكرانيُّون اللُّغة الرُّوسيَّة، لكن الرُّوس لا يتقنون الأوكرانيَّة؛ وذلكَ لا يعود لللُّغويَّات بحدٍّ ذاتها، بل للسِّياسةِ والتَّاريخِ. حيثُ إنّ احتلالَ الاتّحاد السّوفيتيّ النّاطق بالرُّوسيّةِ ما يقارب ال 70 عامًا لأوكرانِيا؛ أدّى لوجودِ العديدِ من مواطني أوكرانيا حتّى الآن -حوالي 30٪ من التِّعداد السُّكانيّ الأخير- متحدِّثون أصليُّون للرُّوسيَّة، في حين لم يكن العكسُ صحيحاً من النَّاحية التَّاريخيَّة.
وقد تعايشتِ اللُّغتان لفترةٍ طويلةٍ بما فيه الكفاية لتمتلكا هجيناً يسمَّى Surzhyk، وهو شائع الاستخدام في أجزاءٍ كثيرة من أوكرانيا. هذا ما يجعلنا نقفُ عند نقطةٍ مهمّةٍ ألا وهو إعادةُ الاندماجِ في سبيلِ إعادةِ صياغةِ الأوكرانيّة كلغة روسيةٍ.