التربية الأخلاقية عند المجتمعات المتقدمة
الجانب الإجرائي للتربية الأخلاقية خاصية من خصائص القرآن الكريم والسنة النبوية والتصوف الإسلامي والعلوم الحديثة التي كانت وراء ازدهار التربية الأخلاقية بالنسبة للمجتمعات المتقدمة، لا سيما المجتمعات الإسكندنافية واليابان وكندا..
الجانب الإجرائي للتربية الأخلاقية خاصية من خصائص القرآن الكريم والسنة النبوية والتصوف الإسلامي والعلوم الحديثة التي كانت وراء ازدهار التربية الأخلاقية بالنسبة للمجتمعات المتقدمة، لا سيما المجتمعات الإسكندنافية واليابان وكندا..
الإنصاف مع الخصوم من دين الله
من وصايا القرآن الكريم؛ العدل والإنصاف في حق الناس.
قال تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ” (المائدة 8)
” وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ” (الأنعام 152
” ولا تبخسوا الناس أشياءهم ” (هود 85)
ذلك ما كان عليه خير الخلق وأعظمهم خلقا المصطفى، صلى الله عليه وسلم، كان يرى صفة العدل في ملك الحبشة وهو على دين النصارى.
هجر بعض الصحابة من مكة إلى أرض الحبشة بتوجيه من المصطفى صلوات الله عليه:
” إن بالحبشة ملكا لا يظلم عنده أحد فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجا ” (أخرجه البيهقي في السنن)
عمرو بن العاص يصف خصومه الروم بما فيهم من دون تبخيس:
” أنهم لأحلم الناس عند فتنة.. وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة.. وأوشكهم كرة بعد فرة.. وأرحمهم لمسكين ويتيم وضعيف..، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك ” (رواه مسلم)
على هذا النهج سار بعض العلماء من المسلمين، على قلتهم، منهم على سبيل المثال لا الحصر:
الشيخ محمد عبده:
” عندما زار الشيخ محمد عبده أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر لفت نظره أن الناس في تلك البلدان يحترمون الآخرين ويتعاملون معهم إذا نزلت بهم نازلة أو حلت بهم كارثة يحاولون مساعدتهم على تجاوزها بغض النظر عن أصولهم وأديانهم ولغاتهم وألوانهم.. فقال قولته الشهيرة، بناء على مقارنة بين ما رآه في بلدان النصارى وما تركه في بلاد المسلمين: رأيت في أوروبا إسلاما بلا مسلمين وفي بلدنا مسلمين بلا إسلام “.
الأديب مصطفى صادق الرافعي
” أساس قوة المجتع الأوروبي وسر نجاحه وتماسكه وتجانسه هو الأخلاق وثباتها في قلوب وعقول الناس وأثرها في أقوالهم وأفعالهم.. وهذا راجع إلى ثقافة مبنية على المبادئ والقيم الإنسانية الرفيعة السامية النبيلة..”
الأستاذ عبد السلام ياسين
سأذكر بعض المزايا التي سردها في كتابه: “محنة العقل المسلم” ولن أذكرها كلها من أجل الاختصار:
” من مزاياهم: العمل، والجد في العمل، والضبط في العمل، والكفاءة في العمل…
من مزاياهم: التنظيم واليقظة..
من مزاياهم: القانون يطبق على القوي والضعيف..”
إلى غير ذلك من المزايا الذي ذكرها في كتابه أعلاه..
اضطررت اضطرارا أن استشهد بالقرآن والسنة والصحابي والأكابر من العلماء كي أذكر الجانب الإيجابي لدى المجتمعات المتقدمة!
ما وصلت إليه المجتمعات المتقدمة من المزيد من التحسن والتقدم يفوق ما لاحظه الشيخ محمد عبده والأديب مصطفى الرافعي في أواخر القرن التاسع عشر.
في عصرنا الحالي عصر الثورة الرقمية من السهولة بمكان رصد ما وصلت إليه المجتمعات المتقدمة لا سيما في التربية الأخلاقية اعتمادا على المؤشرات الدولية والدراسات الميدانية.. في المصادر في هذا المجال متوفرة والحمد لله..
على العموم، حسب بعض المؤشرات الدولية لعام 2019:
” أفضل الدول سمعة في العالم من حيث الشفافية والعدالة الاجتماعية والازدهار: (السويد، كندا، سويسرا، أستراليا، النرويج) “.
وفي مصدر آخر:
” أفضل الدول في العالم لعام 2019. والتصنيف مبني على الانفتاح الثقافي والتنوع، وبيئة الأعمال وجودة الحياة، وغيرها من المعايير. تقول النتائج: إن سويسرا هي أفضل دول العالم، تليها اليابان ثم كندا، أما الولايات المتحدة فقد احتلت المرتبة الثامنة عالميا “.
نتائج مؤشر الازدهار لعام 2019:
” في المقدمة عالميا: الدنمارك، نرويج، سويسرا، فنلندا، هولندا، ألمانيا، لوكسمبورغ، أيسلندا “.
الملاحظ أن المجتمعات الإسكندنافية دوما في المقدمة في السنين الأخيرة بالإضافة إلى اليابان مقارنة مع أوروبا الغربية والجنوبية والشرقية والولايات المتحدة!
في اليابان هناك اهتمام شديد بالتربية الأخلاقية تعليما وسلوكا.. بحيث مادة الأخلاق تدرس في التعليم من أولى ابتدائي تسمى: “طريق إلى الأخلاق”. ويطبق منها عمليا في المدارس من خلال تهييء وجبات الطعام على المائدة وجمع الأواني بعد الأكل وتنظيف أقسام الدراسة.. إلى غير ذلك مما هو عملي ميداني..
ومن باب الإنصاف ذكر بعض المجتمعات الإسلامية العجمية: ماليزيا وأندونيسيا ومنافستهم لأوروبا في التربية الأخلاقية.. يلاحظ ذلك جليا في موسم الحج من خلال سمتهم الحسن ومعاملتهم الراقية وهدوئهم وحلمهم وابتسامتهم ونظامهم إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق.
العلوم الحديثة:
مما ساهم في ازدهار المجال الأخلاقي في المجتمعات المتقدمة؛ الاهتمام بمجال التعليم والتربية بناء على ما استجد من علوم إنسانية واجتماعية مثل: علم النفس، علم النفس الاجتماعي، علم النفس الأخلاقي، علم النفس السلوكي، علم الاجتماع، علم الاجتماع النفسي، علم الاجتماع الأخلاقي، علم السلوك، علوم التربية، علم الباراسيكولوجي، علم التغذية.. إلى غير ذلك مما يساهم في بناء الإنسان نفسيا وخلقيا وسلوكيا بشكل عام.
في المجتمعات المتقدمة هناك بعض العناصر متصلة ومتضافرة لا يمكن الفصل فيما بينها: التعليم والتربية والأخلاق والعدالة والاقتصاد.
المجتمعات المتخلفة في أمس الحاجة إلى التلمذة والاستفادة ممن هم أحسن منهم، لا سيما في مجال التربية الأخلاقية ومن مناهجهم ووسائلهم الإجرائية. وهذا محمود عقلا ومنطقا وشرعا.
في الحديث النبوي:
” الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها ” (رواه الترمذي)
” اطلبوا العلم ولو بالصين فإن طلب العلم فريضة ” (أخرجه البيهقي)
من باب الإنصاف أن نذكر المجال الذي تحتل فيه الصدارة عالميا بعض المجتمعات العربية (المغرب، مصر، السعودية..)، حسب معهد غالوب: التدين من حيث الاعتقاد بالله والشعائر والطقوس والاحتفالات بالمناسبات الدينية..!
أما فيما سبق ذكره من شفافية وازدهار وتنمية فهم في ذيل القائمة!؟
المراجع:
” عبد السلام ياسين، محنة العقل المسلم
حسن العطار، إسلام بلا مسلمين ومسلمون بلا إسلام
أمين بلقاسم، الغرب بين القيم الأخلاقية والممارسة الواقعية
مؤشر الازدهار العالمي لسنة 2019