رواية ” طائر التلاشي” و قصدية الخطاب بين النص والكاتب
حرص الكاتب”محمد رشيد الشمسي” في روايته “طائر التلاشي” الصادرة عن دار الورشة الثقافية شارع المتنبي عام2018 …على ابقاء باب التلقي مفتوحاً لتحديد هوية الجهات البشرية المتضمنة وزمكانيتهم
حرص الكاتب”محمد رشيد الشمسي” في روايته “طائر التلاشي” الصادرة عن دار الورشة الثقافية شارع المتنبي عام2018 …على ابقاء باب التلقي مفتوحاً لتحديد هوية الجهات البشرية المتضمنة وزمكانيتهم، ولم يحددها في ماقبل المتلقي كما عند عتبة مسميها كما الروائي العالمي “فكتور هيجو”وهو يحدد مدينة احدبه “نوتردام” في روايته “احدب نوتردام” او الروائي العراقي في تحديد مدينة انبثاق فرنكشاتين في بغداد ، لكن رواية م.ر.الشمسي – لم تذكر في عونتها بمثل “طائر التلاشي في العراق” بل ومكان لمدينة او اشارة لابطالها وحتى لمسميها دالة على علاقة احداثها في العراق ،بل تركته مفتوح لادراك ونباهة القاريء.
ومن استقراء قرائتنا ومستنتجها التي تؤكد حرص الرواية وكثيرا على محاكات الواقع الرديء لعراق مابعد التغير والمكمل لرداءة وتعاسة والام عراق القبل،ومن الاشارات الواضحة بعد التغير لذلك…
1-تهديم اهالي الجزيرة لمعابد آلهتهم القديمة ،ألهة السلطة القومجية المستبدة وبناء معابد جديدة للالهة الاحزاب الدينية الجديدة كما في هدم سكان عراق مابعد التغير.
2- قرار الحاكم تغير الدين الذي يدين به سكان الجزيرة ليعبدوا الطائر العاطل المصير لتلاشيهم.
3- كانت التظاهرات التي تكررت في الرواية تأخذ روح الرفض من اجل التغير،لتتحول الى استجداء الحاكم وهذا ما صارت و وصلت له تظاهرات العراقين لعدم سماع السلطة لها وتنفيذها.
4-ظاهرة كذب ونفاق الحكام والمسؤولين في اعطائهم للوعود الخاصة بالسكان وهو ينفخون بروحهم المثقوبه،وهم عقول عاطلة تتبع الخرافة في القرارات والاجراءات.
5- اشارت الرواية في اوراقها الختامية على عبثية التظاهرات المطالبة لحقوق السكان في الحياة واستسلامهم في التيه الخطير وهم محملين بالالم وبما يؤكد على مخفي المخطط في تدمير البلد ومن سرقة اموال الدولة اولاً و بقاء كارثة الارهاب.
هكذا ينهي الشمسي فصول روايته التي اعتمد على بناءات مكوناتها السردية على الفنطازية والغرائبية.ليجذب ويضع القارئ أمام كم هائل من التساؤلات التي تبحث عن إجاباتٍ لها.
ولأن ينجح الكاتب في الخاصية الفنية لاشتغالات السرد الفنطازي لكتابته الروائية ،عليه ان يوفر قبول التلقي الغريب القانع بمعقولية لامعقولية هذا السرد و واقعية لاواقعية تضمينات ثيمته،وهو قبول ناجز لعبور أشكلة العجيب الغريب المصاحب لقراءة مكونات هذا الروي،و المتاتي من طبيعة تعارض ال الميتافيزيقي للسرد الفنطازي مع فيزيقية حراك الواقع، ولابد هنا من تحبيك سردي عابر لشكلنة الوصف والروي والدخول القرائي الغائر لما خلفها وإستلهام المضمون والقصد المخفي له والمسكوت عنه.
ويشكل السرد الفنطازي ذلك الذهول للقارئ ليربك حواسه ويتيه التعين لديه بين ما هو حقيقي و ما هو خيالي. ومن بناءات السارد وقائعه من غيبية الخرافات و الحكايات الشعبية و الأساطير .ومحاولة توصيفها المقارب للواقعية السحرية, وكما في حكايات قصص الجان, و البساط السحري وغيرها لاشاعة القبول لها..
و(الفانتازيا) كمصطلح حداثي – بصورة نسبية -أصبح صالحًا للتعامل مع الكثير من الفنون المختلفة كالرسم والموسيقى والتصوير والسينما وانتقل مؤخرًا إلى الواقع الأدبي-ولاسيما السردي-فتماهى مع الواقعية السردية والعجائبية- وهي عند ت.ي.ابتر(القوة الدافعة وراء استبطان الواقع).
ومن عنونة الرواية ومسميها “طائر التلاشي” الجامع لنقيضين، حيث المفهوم الشائع للطائر وليس بتسمية “طير”له دالته البعيدة عن الجمود والتلاشي لكونيته الاكثر حركة وهي الطيران بمعنها المتوجه للإنفلات للاعالى والتحرر عن المسك به، هذا المسك الحاد لحركته والرامية به للجمود والفقد لمكوناته وخصوصياته الاخرى،وبين الكلمة الاخرة المكملة للعنونة “التلاشي” المفارقة بضديتها لكلمة العنونة الاولى وهي الطيران،وبأسمى دالة الطيران في الحركة حيث الطيران والمقترن هنا بتوجهه الاوسع والرحب وهي اعالي الفضاء وبمعناه الحياة وبكل جماليتها..
ولابد هنا من حوار قرائي نابه للنص بوصفه كينونة أنطولوجية ليكون حوارنا النقدي لها بلا حجبٍ عن اصلها المشاكس ومدى تحقيقها للمعادلة الجمالية للسرد،و بلوغ مضامينها لاستكمال خطابها الادبي كمستخلص نهائي مؤنسن ذاهب لرفض القبح الذي يحط ركابه في حياة المجتمع وكما في رفض موضوعة التلاشي الذي يقود اهل الجزيرة للفقود والموت الانساني بدل الموت الجسدي الطبيعي لكل البشر..
وقد تشكل البناء السردي للرواية من جمع فاعل للرؤى الأنثروبولوجية والأيديولوجية والسوسيولوجية التي اعتنت بها الرواية كملاصقات فكرية للثيمة المشكلة بين قبول اهالي الجزيرة لما هم فيه وبين الدعوات المستمرة لرفض هذا القبول المهلك لهم، ومن التظاهر و الوقوف امام بيت الحاكم،ومن تناقض الموقفين، يظهر لنا تلك الثقافتين المتناشزتين لاهالي الجزيرة،
وهي الثقافة القابلة والقرينة لقسرية حاكميات الموروث وسلطته الغير قابلة للتغير، حتى يصيبهم المجتمع بالعصاب ويطاردهم ،وهي من مضمرات حكاية الرواية و خطابها الادبي.
ويتبلور الخطاب الادبي للرواية من مراجعة الذات الموغلة في عطب العقل واسترخاءه الممتد في عطالته،والمتمثلة في اكل ذلك الطائر “توخالو ” بتعبيره المجازي الواسع والمتنوع والحامل لاسم الجزيرة ،و الدعوة لمراجعة الثقافات المعطلة والسالبة لحرية العقل والانتفاضة للتغير ومنها البحث عن الحل السليم لمشاكل حياتهم الموغلة بالتلاشي كمخلوقات انسانية..
ومن دالة تناولهم اليومي لهذا الطائر واستلذاذ اكله،وبمعنى قبول بساطة حياتهم اليومية القائمة على القديم الفاقد للعقلانية والمهدد لهم والمستمد من ثقافة الغيب والخرافة وهم يستلذون في محكيها كشطارة لهم والتي صورها الروائي “م الشمسي” بلذة اكلهم للطائر “توخالو” والذي حذرهم “تخاخا” من اكله اليومي له وبمعنى تلاقفهم لمحكياتهم القديمة الجامدة.