أَطْمَعُ مِنْ أَشْعَبَ
من طمعه أنه مَرّ برجل يمضغ علكا ، فتبعه أكثر من ميل حتى علم أنه علك، فضرب به المثل في شدة الطمع.
“أشْعَبُ الطَّمَّاع” وهو أشْعَبُ بن جُبَير مولَى عبدِ الله بن الزبير، وكنيته أبو العلاء،
قصة المثل:
سأل أبو السمراء أبا عبيدة عن طَمَعه فقال: اجتمع عليه يوماً غِلْمان من غِلْمان المدينة يُعَابثونه، وكان مَزَّاحاً ظريفاً مغنياً، فآذاه الغِلْمة ،فقال لهم: إن في دار بني فلان عُرْساً ، فانْطَلِقُوا إلى ثمَّ فهو أنْفَعُ لكم، فانْطَلَقُوا وتركوه، فلما مَضَوْا قال: لعل الذي قلتُ من ذلك حَقّ، فمضى في أثرهم نحو الموضع، فلم يجد شيئاً، وظفر به الغلمانُ هناك فآذوْهُ.
كان أشعب صاحبَ نوادر وإسناد ، وكان إذا قيل له حدثنا ،يقول: حدثنا سالم بن عبد الله – وكان يبغضني في الله – فيقال له: دَعْ ذا، فيقول: ما عَنِ الحقِّ مَدْفع ، وكانت عائشة بنت عثمان كَفَلَته وكفلت معه ابن أبي الزناد فكان أشعب يقول : تربيت أنا وابن أبي الزناد في مكان واحد، فكنْتُ أسْفُلُ ويعلو حتى بلغنا إلى ما ترون.
قال مصعب بن الزبير: خرج سالم بن عبد الله بن عمر إلى ناحية من نواحي المدينة هو وحُرَمُه وجَوَارِيه، وبلغ أشعبَ الخبرُ، فوافى الموضع الذي هم به، يريد التطفل، فصادف البابَ مُغْلقاً فتسوَّرَ الحائط، فقال له سالم: وَيْلَكَ يا أشعب من بناتي وحُرَمي؟
فقال: لقد علمْتَ ما لنا في بناتك من حق، وإنك لتعلم ما نريد، فوجَّهَ إليه من الطعام ما أَكلَ وحَمَلَ إلى منزله. وقال أشعب: وُهِبَ لي غلامٌ، فجئت إلى أمي بحمار موقور من كل شيء والغلام، فقالت أمي: ما هذا الغلام ؟
فأشفقت عليها من أن أقول: وُهب لي ، فتموت فرحا ، فقلت: وهب لي غين، فقالت : وما غين ؟ قلت: لام، قالت: وما لام ؟ قلت : ألف، قالت: وما ألف؟
قلت: ميم، قالت: وما ميم؟ قلت: وهب لي غلام ، فغشى عليها فَرَحاً، ولو لم أقطع الحروف لماتت. وقال له سالم بن عبد الله: ما بلغ من طَمَعِك؟قال: ما نظرتُ قَطُّ إلى اثنين في جنازة يتسَارَّان إلا قَدَّرْتُ أن الميتَ قد أوصى لي من ماله بشيء، وما أدخل أَحَدٌ يده في كُمِّهِ إلا أظنه يعطيني شيئاً.
وبلغ من طمعه أنه مَرَّ برجل يعمل طَبَقاً فقال: أُحِبُّ أن تزيدَ فيه طوقا ، قال: ولٍمَ ؟ قال: عسى أن يُهْدَي إلى فيه شيء .
ومن طمعه أنه مَرّ برجل يمضغ علكا ، فتبعه أكثر من ميل حتى علم أنه علك، فضرب به المثل في شدة الطمع.