من قارعة الذاكرة القديمة

اسفل الخبر


حيث النهارات كانت تنسج تجربة النهار ، وكان البسطاء يحسنون الحياة ، ويحسنون الدهشة وكان التراب رحيما وغراس النباتات في سمرته البهية ،
المكان قرية بيكه ، الزمان قبيل خروج الانجليز باربعة اعوام ،.. كانت القرية تضج بالترقب والانتظار ، ليوم المسرحية ، وكانت القرى المحيطة تنتظر هذا الحدث ، والتذاكر الملونة قد تم توزيعها في يوم صرف المال في مكاتب عبدالحكم والسليمي ودرويش وخمدالنيل وغالب مكاتب القسم الوسط ، ..الناس في هذه البلدة كأنهم يجربون فكرة الفرح وفكرة الدهشة،

كان الصبية الصغار يقطعون الممشى على الترعة الفاصلة بين البلدة وثكنات الري قبل شهر ليشهدوا التحضيرات والعروض التجريبية لمسرحية ( بادي ومخرقة النار) ، ثم يشحنون ارواحهم ويعودون كانهم العصافير انتشاء بالنسيم ،،،،ثكنات الري المتاخمة للبلدة حينها كانت مدرسة لتعليم الحياة الحديثة اذ ان موظفي الانجليز واوائل السودانيين كانوا هناك ،وكان الوطنيون ينظرون اليهم بكل إكبار،


في ذلك اليوم اخبر الصبية الاباء بالذي جرى عندما اشعلوا موقدا من قدمي راعي الاغنام ذواتا الاخاديد ، فقد كان الغريب مستغرقا في النوم ظهيرة ذلك اليوم تحت ظل اشجار الهجليج في جغرافيا قبور الموتى ،.وكان النهار مثقلا بالصمت العقور ، والركود مخيما على المشهد كله ، كان الصبية قد اصطادوا بضعة عصافير بقلاباتهم السلكية ، وبحثوا عن مشعل نار ولم يجدوا ، لمح احدهم قدمي راعي الاغنام تشتعلان ، اخذ حزمة تبن واشعلها من موقد الاقدام ذلك ، الدهشة كانت قد حلقت بالصغار في تخوم الخاطر وانتباه الظهيرة وفلق الوقت الرحيم ، ، وتم طهو العصافير وهم يستغرقون في دوامة الغريب ذا الاقدام الموقدة ،..
وعندما حان الاصيل كانت القرية قد نسجت الف حكاية عن سليل الصالحين ، وذي البركات ، ولي الله الذي تقدست اسراره ، بل أن البعض امتطوا حميرهم ليخبروا القرى البعيدة بالذي تشتعل عينيه اذا غضب وينهمر المطر من كقيه اذا رضى وينبت الزرع من ممشى قدميه ، ،
حينها كان الغريب قد رحل من القرية الى مجهول قصيات الفلا،


المستر جيتسكل مدير القسم الوسط ، والمستر ناش مدير سكه حديد الجزيره ، السيد مبارك سناده مفتش المكتب ، والسيد بابكر عباس افندي مخرج المسرحية ومدير كبانية التلفون بري بيكه ، ..ومعيتهم اعيان المنطقة في مقدمتهم جدي حاج النو بقفطانه المهيب وطلعته الموسومة بالرسوخ في البهاء ،.كانوا مقدمة الحضور ..ثم المعلمين وحكيم الشفخانة والتمرجي اصحاب البطاقات الزرقاء كانوا في الصف الثاني ،..ثم البقية بعد ذلك ،..لكن الحشود التي تتلصص خلف الصريف التبني وتمارس متعتها القصوى باداء الممثلين كانت كثيفة جدا ..بينما كان الصغار جلوسا على الارض ينادمون التراب والذاكرة تصاغ وتنسج بعناية العقل البديع ،،، لكن وسم الخاطر كان موبوءا بالغريب الذي ارتحل وترك وراءه رتل من الحكايات والاساطير المجيدة ،


القديلي يا ود حوا
القديلي شركك لوا

القديلي يا مندوفه
القديلي دنقر شوفا.


أيها الطير لك السموات ولي اطراق النشيد ، ايها الطير اناظر غيم السماء فانتظرني اصطادك ايها الطير ترجل من بارقات الاسئلة واكتب سفر خلاصك ، ،
منك سحابة تهطل للمواسم ، ومني نشيد اعرج يغازل شجيرات العشر والحناء ،..
منك صلاة الغفيلة ومن صانعي المهرجان مواعيد اغتسال الروح،
البلدة النهار ، البلدة الحياة النبيلة ،..البلدة مركز الاكوان كلها،


النسوة يزغردن لافراح المسرحية ، والشيوخ يغضبون لغضبة رجال المسرحية ..والصبية نيام على ذلك التراب ابتهاجا بالمسرحية ،..كان القوم في كامل استغراقهم رهن ضوء الرتينات المتوهج عندما اقتحم الحضرة راعي الاغنام الذي اشتعلت قدماه ذات نهار وهو في ابهة لم يعهدوها عليه ..كان معطرا كما حقل السيسبان ومبهرجا كطاؤوس ،..توقف الزمن كله ، لا كلام ولا انفاس ..حتى سعال المرضى المأزومين توقف في خاصرة الوقت ،..توقفت اللغة ، وهاجرت الى حيث كان هو قدرتهم على الاندهاش ..ثم لوح وحلق الى النجيمات البعيدة ،…حينها اصبحت دهشة المسرحية باطلة كالتيمم عند حضور الماء ، واصبحت الارواح موصولة بالغرق وتطواف المواعيد الناصلة الماخوذة بالسجيات الجنوحة ، ارتحلت قدرتهم على الاسئلة وهم يذهبون الى حيث منامهم الطويل ،،

هذه هي قصة هذا المرقد المبارك يا بني ، فهل علمت من هو الشيخ الراعي ،،

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

تعليق 1
  1. الشول بيكه يقول

    ومازالو اهل بيكه هم. اهل بيكه

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد