عندما عجزت امريكا لجأ ترامب إلى الصلوات

اسفل الخبر

عندما خرج علينا رئيس أعظم دولة نووية في العالم يصلي لله مستنجدا إيّاه لإنقاذ أمريكا من فيروس لا يرى بالعين المجردة ،إعلم إن “ما بعد الحداثة” تنهار مثل ما انهارت قبلها (مدرسة الحداثة).

كورونا لم تهز ما بعد الحداثة فقط بل دخلت لتهز ممثلي الدين “الرسمي” و أيضا تهز ممثلي المعتقدات

“الشعبية” بدون تميز خصوصا في الشرق الأوسط.


منصات السوشال ميديا مملؤة بتهكمات المتدينين والعلمانيين عندما رأوا رموز الدين يصابون بعدوى الكورونا ومنهم من مات.

سريعا اتعظ رجال الدين من ممثلي الدين الرسمي (يمكن بفضل ضغوطات الدولة) أن وقتنا لا يلاعبنا بل يحصدنا ولا يتحمل التقليل من كورونا.

فبعد أن أصدروا فتاوى تقتصر على اللجوء إلى الله خرجت فتاوى متزنة تذكرنا أن نبي الله أيوب ص لم يعالجه الله تعالى من مرضه الجلدي بمجرد الدعاء.

بل أن أيوب ص نجى عندما جمع بين الدعاء مع التماس الأسباب من الإغتسال بمياه معدنية لكي يتمكن

من التخلص من مرضة

وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ
وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ
سورة صاد

المشكل أن المعتقد الشعبي لم يتعض ولم يتوقف من مواصلة تغذية جماهيره برؤيته وأنه يمتلك نواص عقيدة خارقة تقاوم كارونا.

فخرجت من الشرق الأوسط تحديدا تذمرات كثيرة حول ما ينطق به ممثلي المعتقدات الشعبية.

في هذا الخصوص أود أن أذكرن بأن البنية الخرافية المنتجة للعقائد الشعبية لا تتواجد بين أتباع بلد معين فقط بل هي ظاهرة انسانية.

قد يكون أفضل من فتح الموضوع هو الأنتربولوجي الأمريكي كليفورد جيرتز (ت. 2006). ففي محاضرة محورية بعنوان الدين والأسطورة ألقاها في عام 1968 افتعل جيرتز نقلة في الدراسات الدينية الأنتربولوجية
عندما قال أن قدرة الدين (الرسمي او الشعبي) بين جماهيرها تتمثل بمكانتها على
“تفسير ما لا يمكن تفسيره” .

مثل هذا الفهم الوظيفي السيكلوجي لم يفهمه مثلا

ابن تيمية عندما نعت المتصوفة ب القبوريون. دون أن يستطع أن يفهم سر إستمرار العامة على زيارة القبور بحثا عن تفسيرات وجودية لذواتهم ومحنها لم يجدوها عند ممثلي الخطاب الرسمي.

ومثل هذا الفهم لم يفهمه الجاحظ الذي وصف المرأة بناقلة الخرافات عبر الأجيال. دون أن يتسائل سر طلب

الناس على مادتها الخرافية.

في لحظتنا الوجودية الراهنة كل إنسان يحتاج إلى تفسير ظاهرة تفشي الكورونا.

نحن في لحظة مبهمة. فالمحنة أصبحت جزء من واقع الإنسان. دول أغلقت حدودها. لا سفر ولا حركة. العزلة الذاتية الحجر برضانا.

الإنسان يتسائل أمام هذه اللحظة الوجودية المتوترة يبحث عن تفسير فإما ان يتقدم ممثلي الدين الرسمي بتفسير يفسر ما لا يمكن تفسيره من أهل العلم عن أسباب ظهور الفيروس من العدم فجأة ليجتاح العالم؟


وإذا عجز ممثلي المعتقدات الرسمية (إسلامية ، مسيحية، يهودية) سيذهب الناس الى ممثلي الدين الشعبي بحثا عن تبريرا يقنعهم بما يحصل حولهم.


طبعا لا يوجد أي مركز “ثقافوديني” غير مرتبط بمركز قوة معين.
هذه النظرة تفتح ملف اخر وهو: هل نحن أمام تنافس مراكز “قوة سياسية” ترعى مراكز الأديان الرسمية تتصارع مع مراكز قوى هامشية تمثل المعتقدات الشعبية؟

و هذا ملف كبير.
ولا يعني أن الرسمي والشعبي مستغرقان في التنافر بل قد يقتربان ويتقاطعان خصوصا عندما تتقاطع مصالح القوى الرسمية الواقفة خلف الدين الرسمي مع القوى الواقفة خلف الدين الشعبي.


كما لا يجب أن نفهم أن الدين الرسمي شيء واحد بل أن الإسلام إسلاميات (إخوانية، سلفية، صوفية،

إمامية، زيدية، أباضية، إسماعلية، الخ) كل مركز له تفاسير ومحاور وتيارات وكذلك الشعبي يتكون من منصات شعبويات متعددات.

بلا شك أن هناك تداعي كبير وانهيار كبير وسنرى قريبا خروج ندوات ومنصات عن بعد تناقش مثل هذه الأمور.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد