خطوة لكسر حواجز الإندماج

بعد معاناة طويلة قد جائتني مكالمة هاتفية من صديقه لي أمريكية الأصل تخبرني بأنها وجدت بيت صغير لي في منطقة كلها سكان ألمان و وجود اللاجئين فيها شبه معدوم ، هنا هممت مسرعة لأخذ موعد من مالكة البيت حتى يتسنى لي رؤيته و الحديث معها حول إمكانية استئجاره و أخذ بعض التفاصيل التي تخص شروط الإيجار.

اسفل الخبر

سلمى كنفاني 

بين الحيرة و الضياع و بين الغربة و الوطن أقف تائهة على أعتاب تلك القارة العجوز .
لا أعرف من أين أبدأ أكنت الأمان يا وطني؟.
تراودني أسئلة كثيرة .
هل سأجد وطناً يُسقيني جرعات الأمل و الكرامة بعيداً عن الكراهية و القتل و إضطهاد النساء، هل ستكونين أيتها القارة العجوز السند لي ؟.
ألم تقولي يوماً ان المرأة هي المجتمع؟ ، و أنا التي قرأت شعاراتك الخلابة!  ،ألم تسحريني بتلك المعتقدات؟.
تعلمت في بلدي أن الحياة الإجتماعية هي الوطن ، تعلمت ثرثرة النساء، و أحاديثنا الشتائية مع فنجان قهوة مع الصحبة و الجيران.
إذاً أنا هنا قد حطت أقدامي ببلد أجهل فيه أصغر تفصيل و أكبره ، في مجتمع يختلف عني و عن تقاليدي و عاداتي البسيطة كإلقاء التحية على بياع الخضار و صاحب البقالية و جارنا فلان و فلانة .
مغتربة كأغلب المغتربين، أبحث عن خصوصيتي التي عانت من انتهاك اللجوء لها، كالسكن المشترك مع بعض الاجنبيات من دول أخرى ، و القبول بأشياء لا تروقني كصديقتي تلك التي شاركتني السكن لفترة طويلة ، فهي تحب النوم و ضوء الغرفة مضاء و أنا التي اعتدت النوم في الظلام حتى فتح النوافذ في ليالي الصيف الحارة بات شبه مستحيل فشريكتي في الغرفة كانت تخاف من الحشرات و و و و اشياء و اشياء لا يسعني تعدادها فقد تعايشت معها مجبرة .
في تلك اللحظة قررت البحث عن سكن خاص بي و هنا بدأت رحلة التعب في ظل مقاطعة تشهد أزمة سكن و انعدام البيوت فيها بسبب كثافة السكان و كثرة الأجانب و اللاجئين، حتى بتُ فريسة للسماسرة الذين امتهنوا النصب و الضغط علي و على من مثلي بحجة أن لديهم عروض سكن و ما كانت تلك سوى أكاذيب ليسرقوا ما ادخرته من مال و يذهبون أدراج الرياح دون أن أقدر على محاسبتهم لأن القانون لا يحمي المغفلين .


من خلال عملي في عدة جمعيات و منظمات إنسانية قد تعرفت على الكثير من الألمانيات اللواتي لطالما رددت أمامهن عن رغبتي بإيجاد سكن خاص بي.
و بعد معاناة طويلة قد جائتني مكالمة هاتفية من صديقه لي أمريكية الأصل تخبرني بأنها وجدت بيت صغير لي في منطقة كلها سكان ألمان و وجود اللاجئين فيها شبه معدوم ، هنا هممت مسرعة لأخذ موعد من مالكة البيت حتى يتسنى لي رؤيته و الحديث معها حول إمكانية استئجاره و أخذ بعض التفاصيل التي تخص شروط الإيجار.
و بعد عدة ايام… ها قد التقينا و ذهبنا لرؤية السكن الذي سرعان ما دخلت عتبته تمنيت أن أسكنه و ارتاح من هذا التعب الذي أهلك طاقتي ، و بعد الحديث قالت لي يجب علي أن أسأل سكان البناء حول إمكانية ضمك كمستأجرة جديدة بيننا، هنا راودتني المخاوف و عدت للسكن المشترك مع تلك الصديقة المقيتة ، أنتظر إتصال المالكة بي.  بعد عدة أيام أرسلت لي رسالة نصية تقول: سلمى أهلا بك بيننا بإمكانك القدوم و إتمام عقد أجار البيت .
تلك اللحظات كانت كيوم ولادة جديدة بالنسبة لي بعد سنوات من التعب و عدم الراحة و سنوات من خصوصيتي المنتهكة, اخيرا قد بتُ في منزلي لوحدي انعم بعتمة ليلي و أصحو على فنجان قهوتي مع أغنية لفيروز راجعين يا هوى راجعين ، و رغم تلك السعادة التي تغمرني كنت أعيش في مخاوف بسبب وجود عدة اشخاص في البناء لا يروقهم وجودي و هذا ما استشعرته من خلال نظراتهم الجافة و المستهجنة كوني أول محجبة في هذا البناء و هذا ما تردد على مسامعي من أحد الجارات .
هنا كان علي أن اخطو خطوتي التي كانت ضرورية لكسر هذا الحاجز لذلك قررت دعوة الجيران على مائدة غداء تشمل ما لذ و طاب من طعامنا السوري بالإضافه الى أصناف من الطعام النباتي مراعية امتناع البعض عن تناول اللحوم .
بدأت خطوات الدعوة بأوراق كتبت فيها ” جيراني الاعزاء أنا سلمى من سوريا جارتكم الجديدة أتشرف بدعوتكم لتناول الغداء سويا و أنا لوحدي هنا و احتاج للتواصل معكم و لا أجيد الالمانية بشكل جيد و يسعدني جدا قبول دعوتي ، ارجو تحديد الوقت و اليوم المناسب و الرد على دعوتي ” و ألصقت تلك الاوراق على كل أبواب المبنى.

بعد عدة أيام جاءت مالكة منزلي و قالت لي: سلمى.. إن الجيران ممتنين لدعوتك لهم و تم الاتفاق على هذا اليوم .
بدأت بتحضير الطعام و لكن لم تكن يديي اللتان كانتا تطبخان بل كان قلبي الذي كان يطبخ و بدأت رائحة الطعام تنتشر في انحاء المبني و أذكر يومها أن جيراني بدأوا يطرقون الباب و أثنوا على تلك الروائح الشهية و قد قالو لي ” متحمسون جدا لهذا اللقاء و نتوقع أنها ستكون مائدة شهية فالطعام السوري نعشقه جدا”
أخيرا إجتمعنا حول طاولة طعام ضمت إثنى و عشرون كرسي ،كسرت حواجز الاختلاف و بدأ الكلام بلغة الطعام .
تارة أخاطبهم بالفتوش و تارة اخرى أجاوبهم بالكبسة و بين الكبسة و الفتوش كنا نصمت على أنغام الفلافل و الحمص .
قد كسرت هذه الطاولة حاجز اللغة و اختلاف الأديان و الألوان و الثقافات حتى جاري المسن الذي كان يرمقني بنظراته الحادة بعد أكله مطبق الباذنجان قد أصبح جاري الودود الذي يرسل لي تحياته و سلامه و أحيانا يقوم بزيارتي و السؤال عن صحتي .
تعلمت في غربتي الكثير من الأشياء و كيف يمكنني التعامل مع الثقافات الاخرى، فثقافتي كسرت كل الحواجز .” كونوا إيجابيين و أعطوا فرصة للسلام”.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد